علي الرغم من شيوع الاعتقاد بتراجع دور نقابات العمال وتقلص حجمها في الاقتصادات المتقدمة علي الأقل فإن هناك في الولاياتالمتحدة من يحاول أن يعيد اكتشاف النقابات وأن يجعلها أكثر ملاءمة لظروف سوق العمل المتطورة. وتقول أرقام مجلة "الإيكونوميست" إن نسبة العمالة الممثلة في نقابات داخل الولاياتالمتحدة علي سبيل المثال لا تتجاوز 12.5% وإن نسبة عمال القطاع الخاص الأمريكي الأعضاء في نقابات لا تزيد علي 7.8% بعد أن كانت هذه النسبة لا تقل عن 33% في عام 1960.. وتشير معظم التوقعات إلي أن هذا الاتجاه سوف يستمر علي المدي الطويل ربما حتي تصبح نقابات العمال مجرد تاريخ في الكتب. ولكن السيدة سارة هورويتز تبذل جهدا خارقا لتنظيم العمالة المؤقتة بالذات في نقابات خاصة بهذا النوع من العمالة خصوصا أن نقابات العمال التقليدية تتجاهل هؤلاء العمال المؤقتين الذين ينتقلون بين مختلف أرباب العمل. وتركز نقابات العمال التقليدية كما هو معروف علي العمالة الدائمة التي تفضل أن تقضي حياتها العملية في العادة لدي مستخدم واحد كما تركز أكثر علي عمال القطاع العام حيث من المعروف أن نحو ثلث عمال القطاع العام منظمون في نقابات. وقد أنشأت سارة هورويتز نقابة العمال المؤقتين اعتبارا من عام 2001 وهي تضم الاَن 37 ألف عضو نقابي كما تعد سابع أكبر نقابة في ولاية نيويورك وقابلة للتوسع أسرع وأكبر من غيرها من النقابات.. وخلال أسابيع ستفتح نقابة العمال المؤقتين فرعا لها في ولاية كونيكتكت تتبعها فروع في ثلاث ولايات أخري في الربيع القادم وتخطط السيدة هورويتز بعد ذلك لأن تشمل نقابتها العمال المؤقتين في كل الولاياتالأمريكية وربما خارج أمريكا أيضا. ويختلف أسلوب عمل نقابة العمال المؤقتين عن أساليب عمل النقابات التقليدية فهي علي سبيل المثال لا تستخدم حق الإضراب كسلاح لحماية أعضائها أو تنفيذ مطالبهم وهذا يرجع إلي أن السيدة هورويتز تربت في جامعة هارفارد بعيدا عن المناجم وبوابات المصانع التي نشأت إلي جوارها وتطورت نقابات العمال التقليدية. وجدير بالذكر أن جد السيدة هورويتز رجل نقابي يشغل منصب نائب رئيس النقابة الدولية للسيدات العاملات في صناعة النسيج في نيويورك.. كما أن والدها محام نقابي ولذلك فالعمل النقابي يجري في دمها كما أنها بدأت عملها النقابي وهي في الثامنة عشرة من عمرها. وبعد تخرجها في كلية الحقوق عملت محامية في القضايا العمالية ومن خبرتها في هذه المجالات جميعا اكتشفت أن العمل النقابي بحاجة إلي مداخل جديدة. وتقول السيدة هورويتز إنها تبينت أن القوانين العمالية الحالية غير كافية وعندما التحقت بكلية كيندي في هارفارد أعادت التفكير في فلسفة العمل النقابي من أساسه باعتباره تجميع العمال من أجل حل مشكلاتهم بعيدا عن الهياكل الحكومية والمؤسسية القائمة.. وكانت تؤرقها بالذات مشكلة العمال المؤقتين ووجدت أن أهم مشكلات هذا النوع من العمالة هو غياب التأمين الصحي الذي لا يحصل عليه عادة في أمريكا سوي العمالة الدائمة. وبعد تخرجها في هارفارد استعانت بتبرعات أهل الخير وأنشأت عام 1995 مؤسسة تحت اسم "العمل اليوم" مهمتها سد النقص في احتياجات العمال المؤقتين وبالذات في مجال التأمين الصحي.. ورفضت أسلوب جباية الاشتراكات الذي تتبعه النقابات التقليدية كما رفضت أسلوبهم في المواجهة مع أرباب الأعمال. وبدلا من الاشتراكات الثابتة أعدت قائمة بالخدمات المتاحة يختار فيها العضو ما يريد أن يسهم فيه وعملت علي إصدار قوانين من الكونجرس لصالح العمال المؤقتين خصوصا أنهم في أمريكا لا يحصلون علي إعانات بطالة إذا انتهت الأعمال التي يقومون بها.. وقد أصبحت قائمة خدماتها تشمل حتي الاَن الرعاية الصحية والتعليم والتقاضي.. وبلغ عدد المشتركين لديها في التأمين الصحي 13 ألف عامل كما أن نقابتها تحقق إيرادات سنوية تبلغ 38 مليون دولار تخصص منها 4 ملايين لخدمات التقاضي. وتفكر السيدة هورويتز حاليا في تطوير خدمات نقابة العمال المؤقتين لتشمل أنسب أسلوب لعمل معاش تقاعد لهذا النوع من العمالة.. وأقصي اَمال هذه السيدة الشابة هو جمع الأموال التي تمكنها من إقامة مؤسسة دائمة لتقديم خدمة التأمين الصحي لأعضاء نقابتها وهي تبحث عن مستثمرين يقنعون بهامش ربح معقول من أجل الإسهام في إقامة هذه المؤسسة لكي تقدم خدماتها ذات السعر المعقول للعمال المؤقتين ليس في العام الحالي فحسب وإنما في المستقبل أيضا.