د.أحمد شوقي يمارس البعض فصلا تعسفيا بين الحروب التجارية والاقتصادية وغيرها من الحروب والتوترات بما في ذلك الحروب العسكرية وأظن أن هذا الفصل يمثل خطأ منهجيا، إذا ما نظرنا إليه في إطار استراتيجية الأمن القومي لأية دولة من الدول التي تمارس النوعيات المختلفة من الحروب إن الأمثلة الجزئية لحروب تجارية مثل قضايا الاغراق والحمائية ومن أمثلتها الأخيرة حرب الأحذية بين الاتحاد الأوروبي من ناحية والصين وفيتنام من ناحية أخري أو قواعد التجارة في المنتجات المهندسة وراثيا بين الولاياتالمتحدةالأمريكية وأوروبا أوحروب التجسس الصناعي والتكنولوجي بين الدول والشركات الكبري والتي تشمل حالات مؤكدة بين أكثر الحلفاء مثل أمريكا وإسرائيل لا تخرج عن الاطار العام للأمن القومي لهذه الدول في حساباتها الأخيرة. ويبدو أننا كعرب قد زهدنا في معالجة قضايا الأمن القومي بالقدر الكافي وإلا فكيف يقتنع بعضنا بهذا الفصل ولايتبادر إلي ذهنه ارتباط الاقتصاد والتجارة بالنفط والطاقة، وهو ارتباط يكاد ينطق بتفسير بعض ما يجري في منطقة من أحداث وحروب؟ إن من الأمريكيين من يدينون سياسة إدارة بوش لأنها أراقت دماء الأمريكيين في أفغانستان والعراق من أجل النفط وليس من أجل أسلحة للدمار الشامل أو ارتباط بتنظيم القاعدة وهي أمورلاوجود لها وهل تنطلق دعاوي ايران وكوريا الشمالية مع الاختلاف في كل حالة علي شيء غير الرغبة في التنمية الاقتصادية بما تراه إيران من حق في الاستخدامات السلمية للطاقة النووية وما تراه كوريا الشمالية من الرغبة في امتلاك قدرة تفاوضية أكبر لحل مشكلاتها المزمنة؟ بل أين الفصل بين الحروب الاقتصادية وممارسة العنف في الأزمات الطائفية والاقليمية في الدول المختلفة عندما يكون هناك تباين في توزيع الثروات الطبيعية بين أقاليم البلد الواحد الذي قد لا يظل واحدا بسببها في العراق والسودان وغيرهما؟ إن ما أدعو إليه من رفض للفصل التعسفي لا يأتي من "التنطع" أمام كلمة أو عبارة لتنفيذها وتسفيهها ولكن من منطلق علمي يتزايد الاقتناع به هذا المنطق يحبذ البحث عن أشكال الترابط بين الظواهر والأحداث برؤية منظومية تساعد علي الفهم الأعمق والمواجهة الأكثر فعالية وكنموذج دال علي ذلك تم تقديم رابطة الأمن القومي كمدخل لتفسير مختلف الحروب والمباريات التي تجري في عالم اليوم. والحقيقة أن وصف "المباراة" ينطبق مع العديد من الحالات التي يحاول فيها كل طرف تحقيق "أهدافه" المشروعة أو غير المشروعة برسائل قد تكون بدورها أيضا مشروعة أو غير مشروعة إن "نظرية المباريات" وهي نظرية علمية استراتيجية ولها دراساتها وبحوثها التي يدرس بعضها أسلوب انتصار الطرفين وكفي الله المؤمنين شر القتال لكننا نري في كثير من المباريات السياسية والاقتصادية والثقافية أسلوب المواجهة الذي تستدعي فيه الجماهير للمشاركة وترفض قرارات الحكام ويحتسب التسلل وضربات الجزاء لفريق علي حساب فريق!! مثل هذه المباريات تجري في طيف واسع من المجالات وعلي مختلف المستويات نجدها في الدورات المختلفة لمنظمة التجارة العالمية وفي حروب الهوية (الطائفية والعرقية) ومخططات الهيمنة (الحصار وحق التدخل والغزو والضربات الاستباقية) والتعامل مع حركات المقاومة ويستخدم في كل مباراة ما يلائمها من أساليب ومبررات (حرية التجارة حق تقرير المصير للخروج علي المجتمع الدولي، الحرب ضد الارهاب..... الخ). إن هذه الرؤية المنظومية المترابطة توحي بتفسير من حق القارئ أن يتفق أو يختلف معه هذا التفسير يقضي بأننا نمر بمرحلة جادة من مراحل ما أسميه "بتناقضات العولمة" وهي تناقضات بنيوية تنجم عن الاختلاف في تصورها الانساني الشامل وفرض أجندة شمالية شرسة في صياغتها وتشكيلها إن العولمة كعملة تاريخية تعد بامكانية بناء مستقبل مشترك للبشرية يعكس آمال وطموحات الجميع وإذا كان هذا المفهوم يعني ضمنا استحالةالتقوقع والعزلة فلا يصح أن يعني الذوبان والتهميش وفقا لرغبات الآخرين وإذا كان هناك من يحرص علي تخليص العولمة من تناقضاتها والعمل علي صياغة العولمة البديلة التي نطمح إليها فعيله أن يعري أسباب التناقض ويواجهها علي كل المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية وقائمة الاسباب طويلة ومتنوعة تبدأ من اجهاض حيادية المنظمات الدولية كلها كالأمم المتحدة ومجلس الأمن ومنظمة التجارة وتمر باللعب علي التناقضات المحلية والاقليمية وتوظيفها لاحداث الفوضي الهدامة (وليست البناءة كما يدعون) والممارسة الفجة للمعايير المزدوجة وحق التدخل غير المبرر والضغط بورقة المنح والمعونات وفرض الحصار والعقوبات هذا كله يدفعني إلي ذكر أن التناقض الأكبر يتمثل في الاشتباك بين الأمن القومي كحق أصيل لكل شعب ودولة والصورة المفروضة "للأمن العولمي" التي يريد البعض اخضاع الجميع لها. أستاذ بجامعة الزقازيق[email protected]