منذ ما يقرب من عقد حاول الكثير من القرويين والصيادين في منطقة "يوزانو" في روسيا حماية السالمون المحلي والحيتان من كبري شركات البترول في العالم حيث من المعلوم أن حقل ساخلين هو من أكبر حقول البترول في العالم إلا أن هذه الاحتجاجات والشكاوي لم تؤت ثمارها في ظل سعي هذه الشركات إلي تحويل المنطقة إلي مركز صناعي للطاقة في اَسيا. والاَن يجد هؤلاء المحتجون مساندة كاملة من أكبر جهة وهي الحكومة الروسية التي فجأة ودون مقدمات أصبحت تضع البيئة علي قائمة أولوياتها واستغلت السلطات هناك قضية هؤلاء المزارعين والصيادين البسطاء ذريعة لإيقاف العمل في الحقل.. موجهة بذلك ضربة قاصمة إلي شركات عملاقة مثل "رويال داتش شل" و"ايكسون موبيل" التي عقدت اَمالا كبيرة علي الحقل الذي يقع متاخما لجزيرة سيبيريا الغنية بالبترول والغاز. ويعتبر القرار الأخير المثير للدهشة بوصف هيرالد تريبيون هو اَخر مرحلة في تصعيد المعركة بين الكرملين وكبري شركات البترول في العالم. واتخذت المعركة بعدا تصعيديا أكبر بين شركة إيكسون موبيل التي تستعد لشحن كمية من الصادرات البترولية إلي الخارج والكرملين مقر البرلمان الروسي الذي رفض الطلب بحجة أن الشركة ليست لديها تراخيص بيئية، إلا أن الشركة أعلنت بتحد أنها ستشرع في شحن حمولتها. وفي حالة نجاحها وهو أمر مشكوك فيه بكل المقاييس فسوف تصل هذه الكميات إلي كاليفورنيا من أحدث حقول البترول في العالم لتساعد في تنويع اعتماد الولاياتالمتحدة علي إمدادات بترولية بدلا من الاعتماد الكامل علي بترول الشرق الأوسط. وهناك صدام اَخر مع شركة "شل" الهولندية بشأن مشروعها الذي يتكلف 20 مليار دولار في حقل ساخلين 2 وهو أكبر استثمار أجنبي لشركة منفردة في روسيا. ودخلت الحكومة الروسية في نزاع اَخر مع شركة "بريتش بتروليوم" البريطانية فيما يتعلق بحقوق امتيازها في حقول بسيبيريا ومشروعات أخري في شمال روسيا لشركة توتال الفرنسية ولذلك فالصورة قاتمة للغاية فالصراع هنا ليس مع إحدي المحليات ولكن مع الكرملين، ولذلك فهو صراع غير متكافئ ولا ينذر بخير. والمثير هو مسلك الحكومة الروسية مع شركات البترول سواء المحلية أو الأجنبية فهي تارة تلوح بورقة الانتهاكات البيئية كما هو الحال مع الشركات الأجنبية وأخري بالتلاعب في الضرائب كما هو الحال مع شركة "يوكوس" المحلية التي أدت معركتها مع الحكومة في نهاية المطاف إلي انهيار الشركة وسجن مؤسسها ورئيسها التنفيذي والأغلب أن ممارسة موسكو لضغوطها هذه تهدف كما يرجح ذلك رئيس مؤسسة جولدمان ساكس أنه يعتقد أن الهدف من هذه الحملة هو الضغط علي الشركات الأجنبية لقبول شركات البترول الروسية الحكومية كشريك متساو أو حتي حصولها علي حصة أغلبية في هذه المشروعات وفي الأغلب دون تعويضات، إلا أن شركات البترول الأجنبية تستطيع أن تمارس بعض الضغوط، فإغلاق العمل في حقل ساخلين 2 يهدد بوقف 11 ألف موظف عن العمل لأجل غير مسمي. وتضغط الحكومة الروسية علي خمس من الشركات الغربية الكبري تعمل في روسيا في مشروعات لا تمتلك الحكومة فيها حصة أغلبية وهي مشروعا ساخلين 1 وساخلين 2 ومشروع بريتش بتروليوم للشراكة وحقل "كرياجا" الذي تديره توتال الفرنسية وكونسورتيوم بحر قزوين لأنابيب الغاز الذي يقوم بتصدير الغاز إلي وسط اَسيا عبر الأراضي الروسية. والأكثر دهشة أن الصحف الروسية بدأت في توجيه انتقادات عنيفة للحكومة فقد نشرت صحيفة "نازا فازميا جازتا" في صدر صفحتها الأولي عنوانا نقلا عن السفير البريطاني في موسكو قال فيه إن اتخاذ هذه الإجراءات يمثل صفعة لسمعة روسيا كشريك تجاري ومورد أساسي للطاقة. والمعروف أن روسيا بدأت في فتح أسواقها للطاقة للاستثمارات الأجنبية منذ حوالي 10 سنوات. ورغم تعهداتها الأخيرة في قمة الثماني الأخيرة بتحرير قطاع الطاقة وفتحه في وجه الاستثمارات الأجنبية فإن ما يحدث الاَن هو العكس بالتنصل من تعهداتها. والأغلب أن الحكومة الروسية تطمع في استعادة ثروتها من البترول والغاز وإعادة قبضة الحكومة المركزية عليها بما يعيد إلي الأذهان الممارسات التي كانت تجري في عهود الاتحاد السوفييتي السابق، وأفضل تعليق علي ما يحدث ما قاله محلل بارز في هذا المجال، مشيرا إلي أن سلاح البيئة في هذه الحالة يسمح للسلطات الروسية بالضغط علي المشغلين، وفي الوقت نفسه الدفاع عن قضية نبيلة وهي حماية البيئة، مضيفا أنه في لعبة الشطرنج يجب أن تكون كل حركة جيدة دفاعية وهجومية في الوقت نفسه ولا ننسي أن لروسيا باعا طويلا في لعبة الشطرنج. ولا يعني ذلك بأية حال من الأحوال الدفاع عن الشركات العملاقة متعددة الجنسية التي لا تكترث كثيرا بقضايا البيئة أو مستوي الأجور أو ظروف العمل، إلا أن الأزمة في هذه الحالة لا تعدو أن تكون مفتعلة لن يستفيد منها المواطن الروسي كما ستضر الشركات الأجنبية، والرابح الأول والأخير كبار الموظفين والمتربحون والخاسر الأكبر هو سمعة موسكو التي باتت علي المحك وتنذر بفضيحة ما لم تفِ بتعهداتها، خصوصا بعد أن أصبحت قوة بترولية عظمي.