بمجرد أن يعلن فضيلة مفتي الديار المصرية رؤية هلال شهر رمضان المبارك، تقوم محطات الاذاعة وقنوات التليفزيون المصرية ببث اغان معدودات للمطرب محمد عبدالمطلب والمطرب عبده السروجي واحيانا عبدالعزيز محمود. حدث هذا في رمضان الحالي ورمضان السابق ورمضان الذي قبله والذي قبل قبله..الخ. وانا لا اعترض علي هذه الاغاني او علي اصحابها، بل اني شديد الولع بالاثنين.. الاغنية والمغني، ولا اتذوق طعم مقدم رمضان بدون صوت الفنان الرائع عبد المطلب او المطرب الجميل عبده السروجي. لكن ما يدهشني هو كم اصبحنا عالة علي الاجيال السابقة بحيث اننا اخفقنا منذ اربعينيات وخمسينيات وستينيات القرن الماضي في ابداع تحية فنية بشهر الصيام كاضافة - وليس بديلا - لابداع عبدالمطلب والسروجي وغيرهما من فنانينا الراحلين الخالدين. وليست المسألة مقتصرة علي الاحتفال برؤية هلال رمضان بل نجدها نفسها في باقي المناسبات.. دينية كانت أو وطنية. فنحن - مثلا - نعرف موعد عيد الفطر او عيد الاضحي من اغنية كوكب الشرق السيدة أم كلثوم "يا ليلة العيد آنستينا وجددتي الامل فينا" قبل ان نعرفه من دار الافتاء. والمناسبات الدينية الاخري، مثل المولد النبوي او رأس السنة الهجرية وغيرهما، اصبحت ترتبط بعرض فيلم "وااسلاماه" دون تغيير.. هذا العام.. والعام الذي قبله و... الخ. والمناسبات الوطنية ينطبق عليها نفس الشيء، فثورة 23 يولية مرتبطة بفيلم "رد قلبي" وحرب اكتوبر مرتبطة بفيلم "الرصاصة لاتزال في جيبي". وهكذا دواليك.. بصورة عجيبة ونادرة ومحيرة. ومبعث الحيرة هنا هو سبب هذا الكسل الاستثنائي الذي تفوق علي كسل "تنابلة السلطان"، ولماذا هذه الرتابة المملة، بحيث نزيد ونعيد ما قلناه القرن الماضي ولا نفكر في ابداع ما هو جديد؟ ويزيد من حيرتي انني شخصيا لست من انصار الفكرة القائلة بان الماضي هو الفردوس المفقود، بل ان ثقتي في الاجيال الجديدة كبيرة وكذلك ايماني بوجود مواهب رائعة في كفور ونجوع وقري ومدن مصر. المشكلة هي ان هذه المواهب المدفوعة تبحث عمن يكتشفها ويمد لها يد العون في اطار مشروع ثقافي شامل ومتكامل يجمع بين الاصالة والمعاصرة.. ولا يستسلم امام ثقافة الميكروباص والعشوائيات.. ولا يهرب بالمقابل الي الماضي الذي ولي ولن يعود.