ا أحد يمكن أن يتخيل عذاب الوصول من مدينة 6 أكتوبر إلي مصر صر الجديدة. كنت أتوهم أن قطع تلك المسافة سوف يستغرق خمسة وأربعين دقيقة علي الأكثر، ولكني قطعت المسافة في ثلاث ساعات ونصف الساعة، حيث خرجت من مدينة الشيخ زايد في السادسة مساء كي أقوم بواجب عزاء في مجمع المناسبات الخاص بالشرطة، أي في منتصف شارع صلاح سالم، ووصلت هناك في التاسعة والنصف مساء. أي انني كنت استطيع السفر إلي روما في نفس عدد الساعات التي قضيتها في الطريق. وبطبيعة الحال صار علي شخصي ان يقبل تلك الكارثة التي تهدر الوقت، وطبعاً لابد أن أقول ان هذا قد حدث في يوم لا مظاهرات فيه، ولا مواكب رسمية، ولا أي شيء من هذا القبيل. تذكرت أن عدد السيارات في شوارع القاهرة يزيد كل عام بمعدل 12% أي أن الحكاية هي صاج يستهلك طاقة، ولا احد يصل أبداً في موعده اللهم إلا إذا تقدمته سارينة موتوسيكل أو سيارة أمن، أو اتصال عبر التوكي وكي، كي ينفتح الطريق. وكلما ازدحم المرور أتذكر ككل كبار السن حقيقة أساسية جاءت في حوار بين شريف بسيوني رجل القانون العالمي، وبين شيمون بيريز الاسرائيلي العجوز، قال شريف لبيريز: "متي تحسب حساب الخوف من مصر؟ "أجاب: لمصر دائماً في الحسابات الاسرائيلية ألف حساب وحساب، ولكن إن انتظم المرور في القاهرة، فهذا يعني تضافراً داخلياً كبيراً يجب أن نحسب حسابه". وككل كبار السن أتذكر أيضاً أن سنغافورة بها عدد من السيارات يفوق عدد السكان، ولكنهم ينظمون المرور بقواعد شديدة الصرامة، حيث لا يعرف العقاب تفرقة بين كبير أو صغير، وحيث يأكل عسكري المرور نفس الطعام الذي يأكله ضابط المرور، أي ان الاعتناء بالحد الأدني من البشر يتساوي مع العناية بالمستوي الأعلي من البشر، فالتفرقة تكون في الرفاهية لا في الحاجات الأساسية. تذكرت كيف أن البنك الدولي صار يعاير الدول بمدي تقديمها للعناية الأساسية لسكانها، بينما يقوم صندوق النقد بالضرب بمطارق من كلمات مثل "ميزان المدفوعات" ومثل "الديون" فوق رؤوس الحكومات. وبين مطرقة المدفوعات وسندان العجز في الموازين الأساسية لاحتياجات البشر يظل عدد سيارات مدينة القاهرة في ازدياد، دون التفات لقيمة الوقت، ولا عزاء لسكان القارة في فقيدهم المتجدد وهو وقت كل البشر الذين يعيشون فيها.