هناك أمور صغيرة تبدو تافهة بجانب ما نعانيه من مشكلات، ولكنها تصنع جرائم تكاد أن تكون كبيرة، لأنها جرائم صامتة لا يمكن أن يكون من ارتكبها قد أقدم عليها بقصد وعمد. أتحدث عن أمرين كلاهما مؤلم وقاتل، أولهما زمارة الونش الذي يحمل السيارات المخالفة، وثانيهما هو الصفارة التي ينفخ فيها عسكري المرور خصوصا في احياء الجيزة ويمكنك ان تسمعها بوضوح قاتل في بداية شارع وادي النيل مع تقاطعه مع شارع جامعة الدول العربية عند ميدان مصطفي محمود. ومن المؤكد ان اللواء سراج زغلول مدير مرور الجيزة يرغب في تحقيق الانضباط المروري في تلك المنطقة المزدحمة، ولذلك تنطلق فيها سيارات الونش وكأننا في يوم القيامة، فصوتها المرعب سبق ان دفع الأخت الكبيرة التي قامت برصد ونقل وجمع تراث مصر من الملابس الشعبية في محافظات مصر وهي الفنانة التشكيلية الكبيرة رعاية النمر أن ترسل تلغرافا للسيد حبيب العادلي مطالبة بحق الهدوء في شارع جامعة الدول العربية حيث يزعجها بالإضافة إلي أصوات السيارات صوت زمارة سيارة الونش، وتفضل السيد حبيب العادلي مشكورا بتوجيه تعليماته إلي مدير مرور الجيزة بوقف زمارة الونش. ولكن ماذا عن صفارة عسكري المرور، وهي الصفارة التي كانت قد اختفت من أيدي وأفواه عساكر المرور في الفترة السابقة، ولكنها عادت من جديد لتلعلع مع الثامنة صباحا إلي الثانية عشرة بعد منتصف الليل، وأحب أن اعترف هنا انها تتشابه بعد فترة من سماعها مع أصوات صواريخ الكاتيوشا، أو صوت أزيز الطائرات فهي تخترق طبلة الأذن وتجعل الإنسان الذي رماه زمانه بالسكن في تلك المنطقة إلي أن يتقرب من أزمة القلب والجنون في آن واحد، فكأنها صفارة قادمة من معسكرات التعذيب إلي حي سكني بالأساس. وإذا كنا جميعا نعرف أن مرور السيارات لا يحتاج أبدا إلي صفارة لتنذر قائدي السيارات بأن الإشارة صارت خضراء، أقول لا نحتاج لذلك لأن العسكري الذي يعلق تلك الصفارة في فمه يعلم تماما ان قائد أي سيارة يري بعينيه الاثنتين لون الإشارة المعلقة، فإن كانت خضراء فلسوف يتحرك، وان كانت صفراء فلسوف يهدئ، وإن كانت حمراء فلسوف يقف. إذن فما فائدة الصفارة في يد العسكري؟ هل المطلوب زيادة بيع المهدئات؟ أم أن المطلوب تسيير المرور؟ أنا أكتب ذلك في اليوم العالمي لمحاربة الإرهاب وهو الحادي عشر من سبتمبر، وأقول للسيد حبيب العادلي: إن الصفارة تقوم بعمل إرهابي جدا وان كان غير مقصود، وهو إرهاب ضد العواجيز من سكان ميدان مصطفي محمود، فهي تسبب حالة من التوتر يضغط علي قلوب المسنين، وقد اتصلت مرتين بالضابط المسئول عن هذا الأمر ووعدني خيرا، ولكن هذا الخير استمر لمدة يوم، وفي اليوم التالي عادت الصفارة لتزعج العواجيز من أرباب الأمراض الصعبة. إن صفارة عسكري المرور تملك القدرة علي إبادة البشر وهم في منازلهم وتزيد عدد الأزمات القلبية والعصبية عند العديد من البشر الذين تخطوا الستين. ومن المؤكد ان حبيب العادلي لا يرضيه ذلك. صدقوني ان الصفارة هي عمل إرهابي بطيء وفعال وقاتل في نفس الوقت، ولا أظن أن مهمة عسكري المرور هي قتل البشر وهم في منازلهم.