تجري الرياح بما تشتهيه أمريكا، التي استطاعت بطريقتها الخاصة وبعصا الحكم الطويلة ان تجعل العديد من دول الشرق الاوسط تحت تصرفها وبما يتلاءم ومصالحها حتي اضحوا يقفون حجر عثرة وبصوت متهكم ضد كل من يقدح في أمريكا أو يأتي بسيرتها. هكذا اختارت أن تكون هذه الدول ذليلة ماسحة بكرامتها الأرض من أجل أمريكا وعيون أمريكا ناسية المجد العربي الذي كانت تقف له الأمم إجلالا وإكبارا. اليوم تعيش النكسة علي أشدها حتي باتت في وضع لا تحسد عليه مع ان الامكانيات والظروف مواتية لتلعب هذه الدول أدوارا طلائعية في شتي المجالات دون حاجة للآخر لكن يفضلوا ان يقبعوا في أماكنهم. فالشعب العراقي اختار التحدي وآمن به حتي ولو كان الموت مصيره مفضلا ألا يكون أداة طيعة لأمريكا. سقوط بغداد لا يعني أن الشعب العراقي استسلم فمقاومته للقصف الهمجي دليل كاف علي بسالته وشجاعته التي انبهر بها العالم قبل احكام السيطرة عليها. وفي محاولة لتفسير الوضعية التي تعيشها الأمة العربية لسنوات والتي ازدادت حدة مع الأزمة العراقية والفلسطينية واليوم اللبنانية لم أجد تفسيرا مقنعا إلا أنها تحبذ عيش التفرقة والتشرذم والبقاء في تبعية للآخر راضية بالذل مستسلمة لخيبتها ولضعفها لدرجة يصعب وصفها. المواقف العربية ظلت في معظمها لسنوات مهزومة ومنكسرة لا أحد يعيرها أي اهتمام لسبب واحد ليس لها وزن لها علي الساحة أو انها لاتريد ان يكون لها وزن. فالعديد من هذه الدول تتسارع من أجل الارتماء في أحضان أمريكا وكأن هذه الأخيرة ستدخلها الجنة. مع أن المنطق والعقل يقتضيان أن تكون هذه الدول في وحدة صف لاشتراكها في مجموعة من الخصائص أبرزها وحدة العقيدة التي ينبغي أن تنتصر علي كل الخلافات والتي في معظمها خلافات واهية فالعصر الذي نعيشه هو عصر التكتلات وليس عصر تفرقة وانقسام أمريكا واسرائيل ستنفرد بكل دولة علي حدة ولن تستثني دولة من أجندتها بدعوي أن لها علاقات متينة معهما. العراق كانت له في أيام ماضية علاقات جيدة وانقلبت عليه وأصبح ألد أعدائها وهي اليوم تحاول المرور بسوريا بعد تحقيق مطمحها في العراق ولبنان الذي يقاوم ببسالة يدافع عن شرف لبنان والأمة العربية والإسلامية فهل سنبقي ننتظر ان تسقط دولة تلو الأخري. إذا ما بحثنا أسباب عدم تحقيق وحدة الصف نجد ان السبب لا يرجع بالأساس الي الدول المعادية للأمة العربية والاسلامية علي حد سواء. بل هناك من الدول العربية من يسعي الي عدم تحقيق هذه الوحدة أكثر من أمريكا ومن معها وهذه حقيقة لا يمكن تغييبها أو نكرانها. فهاهي بغداد سقطت كما سقطت قبلها فلسطين، وازدادت نكبة علي نكبة وسنبدأ مرة أخري مسلسلات سلام، ووساطات وقمة ثلاثية وأخري رباعية الي ما لا نهاية ودبلوماسية عربية وأوروبية وقمة شرم الشيخ وكامب ديفيد وما الي ذلك من القمم وغيرها التي لم ولن تؤدي لأية نتيجة بدليل أن فلسطين مازالت سليبة، لترجع دائما المفاوضات الي نقطة الصفر، فصوت الأمة العربية لن يسمع إلا عندما تكون هناك إرادة قوية من الدول العربية نفسها في توحيد الصف والكلمة وتذويب كل الخلافات أمام المبتغي الاساسي الخالي من كل مزايدات سياسية والاتهامات الفارغة، عندها فقط سيعملون لها ألف حساب. فالشعوب العربية كلها تطمح الي هذه الوحدة لكن المشكلة تكمن في الحكومات. فبوش لما يختر خيار الحرب علي خيار السلام كان متأكدا ومتيقنا بأن لا دولة عربية ستحرك ساكنا مما زادت لهفته أكثر في مبتغاه لاعتبارها السبيل الوحيد في تحقيق مطمح الحلم الأمريكي، ولم يكن للأمم المتحدة أن توقفه أو مجلس الأمن لأن أمريكا وضعت نفسها علي رأسها فمعارضة فرنسا ومن معها لخيار الحرب خارج غطاء الأممالمتحدة، كان يعتبر مقدورا عليه ويمكن اصلاحه لأن هذه المعارضة مبنية علي المصالح وليس لأجل العرب والمسلمين. فهل تدرك الحكومات العربية وترجع الي الصواب وتتصالح مع شعوبها؟ اذا كنا فعلا نتحدث عن الديمقراطية، أم أنها ستبقي في غفلة من أمرها وتتعامل مع الأحداث بنوع من برودة المنطق والعقل الزائف والدبلوماسية المحبوكة والمفبركة. إن الموقف يزداد يوما بعد يوم خطورة ازاء هذه الامة التي اصبحت قبلة للمخططات والاتفاقات السرية نحو إعادة الخريطة بها مجددا بما يتوافق ومصالح الغرب. وفي محاولة لتحقيق مطمح اسرائيل في انشاء حلم اسرائيل الكبري. وعن موقف جامعة الدول العربية ازاء الحرب العدوانية علي لبنان لا يمكن ان نقول عنها الا الخيبة الكبري التي تطفيء غضب الشعوب. والخطورة الكبري اذا تم اقناعهم من جديد لأجل التفاوض لخمسين عاما أخري دون استفادتهم من الخمسين عاما الأولي، لأن اي مفاوضة مع اسرائيل لن تنجح لأنهم اعتادوا خرق كل الاتفاقيات والتاريخ يقول ذلك وليس الأمر وليد اللحظة.