مع تتالي وقائع الجاسوسية المثيرة في كتاب رون سسكند: "عقيدة ال 1%".. نواصل التحري.. وبعد أن أصبح للمخابرات المركزية الأمريكية "CIA" عين داخل تنظيم القاعدة الباكستاني: علي أصبح دولاب التنظيم مواربا لتسريب بعض المعلومات الصحيحة! صحيح أن التدخل العسكري الأمريكي في أفغانستان غرق في أرض التيه والقحل.. لكنه نجح نسبيا في خلع طالبان من الحكم، واخراج رجال القاعدة من مكامنهم الآمنة، إلي تيه تورابورا وامتداد مرتفعات سلسلة جبال سليمان علي الحدود بين باكستانوأفغانستان.. مازال أسامة بن لادن يتنقل آمنا في التيه الجبلي الوعر، تحت حماية بطون قبائل الباشتون.. ومازال الظواهري نائبه وتابعه، علي البعد يتابعه.. ومازال جنود القاعدة داخل أفغانستان وخارجها يحتشدون للشهادة، في انتظار الأوامر!.. والباكستاني علي يوالي تقاريره السرية لتنظيم ال "CIA"، ويشهد مسئولو التنظيم بأنها: "تقوم في الغالب علي معلومات صحيحة"! مارس 2003.. الأمن السعودي يبلغ الأمريكيين أنه لا يستطيع احتجاز المشتبه فيهم لمدة طويلة دون أدلة اتهام صريحة. والمعني أنه سوف يفرج عن المقبوض عليهم دون أدلة اتهام كافية.. دخل الجاسوس "علي" إلي الخط مع المخابرات المركزية.. أفادهم بمعلومات ثمينة: المسئول عن إدارة عملاء تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية التقي بالظواهري في يناير 2003 وحصل علي تعليماته العملياتية الأخيرة. اسمه الحركي "السيف خفيف الحركة".. واسمه الحقيقي: يوسف العيري.. مفاجأة مذهلة: العيري كان مقبوضا عليه في الرياض، لكنهم أطلقوا سراحه مع مجموعة لم يوجه لها أي اتهام! والعيري يكشف الجاسوس علي أفاد الظواهري بآخر تعليماته للمجموعة التي تعد لضربة سيانايد الهيدروجين في شبكة مترو الانفاق بنيويورك.. وأن الخلية عاينت مواقع تشغيل أجهزة المبتكر المشعة، وانتهت إلي ضرورة تشغيلها بالتوجيه عن بعد.. وقد تمت المعاينة الأخيرة قبيل 45 يوماً من ساعة الصفر!! وأضاف علي أثمن ما في تقريره من معلومات بالغة السرية: "لكن الظواهري أبلغ يوسف العيري بتعليمات نهائية مشددة: إلغاء العملية! صدمة ألزمت ضباط المخابرات المركزية حد الذهول!! والعجب العجاب أن الخلية المنوط بها العملية الملغاة، مجرد أعضاء منتسبين للقاعدة، متعاطفين مع بن لادن، وليسوا من صميم بدن التنظيم.. وهم وغيرهم منتشرون داخل الولاياتالمتحدة وأركان أوروبا الخفية! "سيدي الرئيس: نحن لا ندري!" فريق كامل من كبار ضباط المخابرات المركزية ومحلليها تقاطروا علي المكتب البيضاوي، بامتداد الأيام التالية.. ابتدرهم بوش: "لابد أن نستيقن كل ما يجري، مهما أخذ من وقت، ونحيطه بأذرعنا وعلمنا".. تابعه نائبه ديك تشيني بانفعال: "السؤال المهم هو: لماذا الغي الظواهري العملية؟ وكيف نستشف من ذلك الجوانية الاستراتيجية للقاعدة؟".. قاطعه بوش باهتمام شخصي: "علي؟ لماذا يتعاون معنا، ويمدنا بمعلومات بادية الصحة؟!" لم يجد أحد الحاضرين جوابا شافيا! تابع بوش أسئلته الضالة المحيرة: "هؤلاء الذين عاينوا مواقع التفجير في مترو انفاق نيويورك.. من هم؟ وهل مازالوا يكمنون هناك؟!".. رد كبار ضباط المخابرات بمنتهي العجز: "سيدي الرئيس.. نحن لا ندري"!! تطوع أحد كبار ضباط المخابرات بإجراء حسبة مبدئية حول الخسائر البشرية المحتملة لضربة الانفاق.. وانتهي إلي انها تفوق كثيرا الخسائر البشرية في ضربة 11 سبتمبر.. انفجر بوش منزعجا وبغير تفكير: "ألا يكفيهم كل هذا الضرر المحيق؟! وما هي العملية الأكثر فظاعة ورعبا التي الغي الظواهري من أجلها ضربة الانفاق البشعة؟!". توالت الأحداث.. أبريل 2003 أحست المخابرات المركزية أن شيئا ما سوف يحدث في السعودية.. جورج تنت طلب السفير الأمريكي في الرياض بوب جوردان وسأله ان يبلغ الأمير نايف بن عبد العزيز المسئول عن الداخلية وشئون المخابرات رسالة من 5 كلمات: "نرجوكم.. ابحثوا عن يوسف العيري".. علي خلفية انه وراء موقع "النداء" علي شبكة الانترنت التي تحمل توجيهات مشفرة عن خطط القاعدة في شبه الجزيرة ودوافعها.. وأنه المسئول عن إدارة أحاديث الاتصال والسيطرة cyberspuce conversation مع بن لادن ونائبه الظواهري! التقطت المخابرات المركزية حوارات بين يوسف العيري ونائبه في الخليج عبد الرحمن الغامدي، حول مدي جاهزية تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة للاطاحة بالحكم السعودي.. أجاب العيري: "لا ينقصنا الأفراد والتسليح.. التنظيم هنا لم ينضج بعد".. بينما قال الغامدي: "نحن جاهزون للتحرك".. وقال الظواهري لرأي الغامدي وأيده! مصرع "مفتاح القضية!" 15 مايو 2003 البيت الأبيض يستدعي جورج تنت وكبار ضباط المخابرات المركزية لاجتماع عاجل، يبتدر ديك تشيني الجميع بنبرة عصبية: "ما هي آخر تطورات التحقيقات في خلية المبتكر المتربصة لنا داخل الولاياتالمتحدة؟ ماذا نعرف؟ الضربة المقبلة قد تكون تكرار الفاجعة سبتمبر، لكننا هذه المرة لن نفلت منها؟!".. رد تنت بعبارات مرتبكة: "الثلاثي البحريني والثلاثي السعودي مازالوا رهن الاحتجاز.. وهناك أنباء انهم اطلقوا سراح الثلاثي السعودي".. دق بوش المائدة بقبضته وهو يزعق: "أرسلوا برقية إلي الرياض فورا.. نصها: تأكدوا من القبض علي يوسف العيري.. حيا"! 31 مايو 2003 سيارة ركابها من الشباب مرت بنقطة تفتيش قرب مكة.. مرت مسرعة بعد أن ألقي السائق علي جنود النقطة، بدل التحية، قنبلة يدوية طاردتهم سيارة أمن حتي مبني دخوله وتحصنوا فيه وهم يطلقون وابلا من النيران.. مواجهة حصار دعمته فرقة أمن كاملة.. مات الارهابيون جميعا في المواجهة الشرسة.. بين جثثهم ال 5 جثة لشاب يألف رجال الأمن صورته.. انه : يوسف العيري بلحمه ودمه المراق.. وفي جيبه خطاب تهنئة بعيد الفطر، بتوقيع: أسامة بن لادن! مات مفتاح "خلفية المبتكر" المتربصة علي التراب الأمريكي لضرب مترو انفاق نيويورك.. وترك الجميع في عتمة المجهول!! الصباح التالي في واشنطن.. يوم كئيب.. جورج تنت في المكتب البيضاوي، ينقل الخبر الفاجع للرئيس بوش ونائبه في إيجاز الصباح.. بوش يطلب إيفاد مبعوث خاص إلي الرياض في رسالة عاجلة.. حملها موات لارسن إلي الأمير نايف بن عبد العزيز.. منطوقها: "بعد موت العيري مفتاح قضيتنا الحيوية.. نرجوكم القبض علي الثلاثي الآخر، وإبقائهم رهن الاحتجاز أطول مدة ممكنة"! .. وهكذا انقطع آخر خيط من خيوط القضية العصية! لم تكتف مجلة تايم بعرض كتاب رون سكند "عقيدة ال 1%" قبل صدوره.. حرص مارك طومسون نائب رئيس مكتب المجلة في واشنطن علي إجراء حوار مطول مع المؤلف.. اختزل لك الحوار الممتع في سؤال واحد منه: ما هي نظريتك المرجحة لإلغاء الظواهري المفاجئ لعملية ضرب نيويورك؟!.. أجاب سسكند: في يقيني أن القاعدة رأت أن تكون ضربتها التالية لضربة سبتمبر، أكثر تدميرا وإيقاعا للفوضي "more disruptive".. ذلك أن قلب عقيدتها الإرهابية يلتزم بأن يكون قوس استراتيجيتها دائماً في صعود مدمر عنيف الأثر!!