تراوحت أسعار النفط الخام الأمريكي الخفيف خلال الربع الثاني من هذا العام بين 65 و 70 دولاراً للبرميل، بغض النظر عن النزاعات السياسية، وعلي الرغم من كل التذبذبات في أسواق المعادن والعملات والأسهم العالمية في الأسابيع الأخيرة. كما يتوقع ان يستقر السعر خلال الربع الثاني من العام علي مستوي 70 دولاراً تقريباً، مقارنة ب 48.63 دولار خلال الربع الأول، أي بزيادة مقدارها 10% تقريباً. ويتوقع، في ظل المؤشرات المتوافرة حاليا وفقا لتقرير صادر عن "Boursa-info"، ان يستمر الطلب المتزايد علي النفط، ومن ثم مستوي النطاق الجديد. إلا ان هناك بعض التساؤلات حول إمكان استمرار معدلات النمو العالية التي شهدناها في السنوات الماضية. فالأزمات السياسية في إيران والعراق ونيجيريا وفنزويلا في تواصل مستمر، من دون أي مؤشر لانتهائها قريباً، ناهيك عن سياسة الرئيس بوتين النفطية التي تطالب باتفاقات استثمارية متوازنة مع الغرب، والتي أثرت سلباً علي ولوج الشركات الغربية صناعة النفط والغاز الروسية. مضاربة الطلب علي البنزين والمشتقات الوسيطة في ارتفاع خلال فصل الصيف. كما تشير تنبؤات معاهد الأرصاد الجوية في الولاياتالمتحدة إلي احتمال تكرار موسم الاعاصير المدمر في المحيط الأطلسي وخليج المكسيك. وأخيراً، هناك توقعات باستمرار بقاء الأسعار علي مستويات عالية كي تشجع الاستثمار في تطوير حقول نفطية جديدة. وطبعا، تدفع جميع هذه العوامل المستثمرين إلي المضاربة علي النفط وعقوده الآجلة، مما يرفع بدوره من الأسعار. لكن الصورة تختلف بالنسبة للطلب علي النفط فهناك مؤشرات إلي ان معدل ارتفاع النمو انخفض في العام الماضي، مقارنة بعام 2004. زيادة الطلب إذ تشير احصاءات وكالة الطاقة الدولية للأشهر الستة الماضية، إلي تراوح الطلب حول 85 مليون برميل يوميا، أو زيادة 1.5 في المائة عن العام الماضي، كما كان متوقعاً. هذا معناه انه علي رغم الارتفاع الكبير في الأسعار عن السنة الماضية، وحتي عن الربع الأول لهذا العام، وعلي رغم ارتفاع مؤشرات التضخم عالميا وزيادة الفوائد، فإن الطلب علي النفط مستقر حتي الآن. لكن، من اللافت للنظر في تقرير الوكالة، ان ارتفاع الطلب في الولاياتالمتحدة لا يجاريه ارتفاع مشابه في أوروبا واليابان وكوريا. تقرير بي . بي من جهته، يشير التقرير الاحصائي السنوي لشركة "بي . بي"، إلي ان الاقتصاد العالمي استمر في النمو، وبمعدلات عالية، علي رغم ارتفاع الأسعار. لكن التقرير يشير في الوقت ذاته، إلي ان معدل نمو الاستهلاك العالمي للنفط والغاز انخفض نسبيا في الفترة الأخيرة. فبحسب التقرير، الذي صدر للمرة الأولي عام ،1948 والذي يعتبر اليوم من أهم المصادر الاحصائية عن صناعة الطاقة العالمية، نما الاقتصاد العالمي 6.3 في المائة عام ،2005 مقارنة ب 4 في المائة في ،2004 وبمعدل 3 في المائة خلال السنوات العشر الماضية. وفي ضوء هذا الازدهار الاقتصادي الملحوظ، بلغ معدل نمو استهلاك الطاقة 7.2 في المائة في ،2005 مقارنة ب 4.4 في المائة في 2004. وبالنسبة إلي النفط، سجل معدل النمو 1.3 في المائة في ،2005 مقارنة بنمو 3.6 في المائة في 2004. وكذلك بالنسبة إلي الغاز، إذا ارتفع استهلاكه 3.2 في المائة إلي 2.75 تريليون متر مكعب في ،2005 مقارنة بمعدل نمو 3.3 في المائة في 2004. وشكلت الصين مثالا لما حدث خلال السنتين الماضيتين. فارتفاع اجمالي الدخل المحلي بقي علي حاله ولم يتغير، مستقرا علي 9.9% خلال عامي 2004 و ،2005 ولكن انخفض نمو استهلاك الطاقة إلي 9.5 في المائة في ،2005 بدلاً من 15.5% في 2004. طبعاً، ارقام النمو السابقة في الصين لم تكن طبيعية، وحتي الارقام الحالية عالية بكل المقاييس. ومن ثم تبقي هذه المعدلات عالية في كل الأحوال، بل عالية جدا إذا ما قورنت بمعدلات النمو في الدول الغربية الصناعية. ولم يشهد العالم الصناعي هذا المستوي من النمو إلا في منتصف الستينيات وأوائل السبعينيات. نوعية الوقود وذكر كبير الاقتصاديين في شركة "بي . بي" بيتر ديفيس في تقديمه للتقرير، أن "ناتج الدخل المحلي منه قد تضاعف منذ عام ،1980 ولكن استهلاك النفط ارتفع بمقدار الثلث فقط ما يعني ان كثافة استهلاك النفط انخفضت 38% خلال هذه الفترة". والرقم اللافت للنظر في تقرير "بي . بي" هو نسبة الزيادة في نوعية الوقود المستخدم عالميا. إذ تصدر الفحم القائمة، علي حساب الغاز الطبيعي والنفط الخام. لأن استعمال الفحم نما 5% العام الماضي، والسبب في ذلك هو الصين التي تستهلك 37% من الطلب العالمي علي الفحم، والذي هو متوافر في أراضيها. الطلب.. والنمو ويبقي السؤال: ما هي النتائج المترتبة علي هذه الأرقام؟ باختصار، تشير هذه الأرقام إلي ان الطلب علي النفط عال، وسيبقي مرتفعاً، مادام الاقتصاد العالمي يسجل معدلات النمو العالية. كما تشير هذه الارقام إلي ان المضاربين والمستثمرين يعتقدون ان الأسعار في ارتفاع، وليس في انخفاض، ومن ثم هجرة الأموال إلي النفط علي حساب غيره من المواد الأولية. والسؤال الأساسي هنا، هو: إلي متي سيبقي الاقتصاد العالمي ينمو في هذه المعدلات العالية؟ وما هو تأثير انتكاسة اقتصادية هنا أو هناك، كما حدث في شرق آسيا عام 1998؟ وما هي الانعكاسات الاقتصادية للملف النووي الإيراني، في حال التعامل مع هذا الملف سلباً أو إيجاباً؟ هذه أسئلة بلا أجوبة. ومن ثم نتوقع ان يستمر سوق النفط علي حاله، إلي حين بروز عوامل جديدة وأساسية علي الساحتين السياسية والاقتصادية.