علي مدي يومي الخميس والجمعة الماضيين عقد ما سمي بالحوار الوطني الفلسطيني. كان الأساس فيه رتق الثغرات والفجوات بين فتح وحماس الذي نجم في الأساس من التنازع علي الصلاحيات. غير أن الحوار لم يسفر عن الاتفاق وظلت الخلافات قائمة دون حل. عشية عقد الحوار بادرت حماس فسحبت من شوارع غزة القوة الأمنية الخاصة التي تشكلت بأمر من وزير الداخلية لوضع حد للانفلات الأمني. سحب هذه القوة جاء بعد ان وقعت اشتباكات بين عناصرها وعناصر في الأمن الوقائي الفلسطيني المحسوبة علي حركة فتح. ومن ثم عمدت حماس إلي سحب القوة واعادت تموضعها في أماكن عامة ودوريات متحركة ريثما يتم دمجها في الأجهزة الأمنية الفلسطينية، فاستبقت بذلك إجراء الحوار حتي لا يبدو أنها اذعنت لمطالبه. حوار صوري غير أن الحوار الذي جري كان صورياً غير ذي جدوي وجاء كمخدر وقتي لتأجيل انفجار الموقف بين حماس وفتح إلي حين. اعتمد علي تدبيج الكلمات ولم يناقش القضايا مثار الخلاف بجدية خاصة بعد أن دخل الصراع بين فتح وحماس منعطفاً يخشي معه من احتدام الأزمة بينهما وسط الظروف الحالية التي يفرض فيها حصار تجويعي شرس علي شعب بأكمله وتصعيد إسرائيل لحملات الاغتيال والاعتقال والمداهمة والصراع علي الصلاحيات بين حكومة إسماعيل هنية وسلطة الرئاسة ممثلة في محمود عباس. اللعبة الدنيئة عامل آخر دخل علي المعركة من خلال اللعبة الدنيئة التي تمارسها كل من إسرائيل وأمريكا في محاولة للإيقاع بين حماس وفتح بهدف إسقاط حكومة "هنية" في النهاية والدعوة إلي انتخابات مبكرة علي أمل ان تظفر فتح بالأغلبية فيها هذه المرة ومن ثم تتمكن من تشكيل الحكومة. واللعبة مزدوجة لأمريكا وإسرائيل فهي تعتمد علي التقرب إلي فتح ودعمها بشتي السبل لإجهاض حماس واخراجها من الساحة السياسية. ولعل ما حذر منه مؤخراً هاني الحسن عضو اللجنة المركزية لحركة فتح خلال اجتماع له مع كوادر فتح يبعث برسالة تنبيه إلي الجميع. لقد كشف المستور عندما أبلغ الاجتماع المذكور بأن أمريكا تدفع أموالاً لقيادات رفيعة في فتح تتمتع بثقل ونفوذ. ولا يخفي ان دفع الأموال لهذه القيادات من شأنه ان يمنح أمريكا القدرة علي تحريك الأمور ضد حماس وفق المسار الذي تريد مستغلة في ذلك سيطرتها علي قيادات فتح بواسطة الأموال التي تدفعها. إسرائيل ونقل السلاح أما إسرائيل فإن لعبتها الدنيئة تمثلت في أنها تسهل مرور السلاح إلي الحرس الرئاسي وعندما تفعل ذلك فلأنه سيكون موجهاً لصدور الفلسطينيين. وهذا ما كشف عنه مؤخراً الجنرال المتقاعد "عاموس جلعاد" عندما دعا إلي وجوب إفساح المجال لنقل الأسلحة لقوات محمود عباس من أجل تنفيذ القرار الشجاع الذي اتخذه لمواجهة حركة حماس. القرار المذكور اتخذ بإيعاز من جهاز الأمن العام "الشاباك" وأجهزة أمنية أخري وأقره وزير الأمن الإسرائيلي "عامير بيرتس" وصادق عليه "إيهود أولمرت"..! وثيقة الأسري اختتم الحوار الفلسطيني مع ما ساده من جدل ومشاحنات حول بنود لم يتم حسمها. وزاد الطين بلة خروج عباس بخيار واحد فرضه علي المشاركين ويتمثل في القبول بوثيقة الأسري وبكل بنودها. وأعطي مهلة لذلك عشرة أيام تطرح بعدها علي الاستفتاء في الشارع الفلسطيني. ولا شك ان عباس بذلك قد فرض منطق الإجبار وتخلي عن مفهوم الحوار الذي تجري معه وخلاله مناقشة القضايا مثار الاحتقان ويتم فيه اقناع المتحاورين بأساليب الحل بدلاً من فرض وجهة نظر واحدة عليهم. وإذا كانت وثيقة الأسري لا غبار عليها إلا ان حماس تظل تتحفظ علي بندين فيها الأول يتعلق باعتماد قرارات الشرعية الدولية لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والثاني اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. استفتاء غير منطقي الشكوك تثار حول عباس من أنه لجأ إلي وثيقة الأسري هذه من أجل أن يظفر بتفويض مباشر من الشارع الفلسطيني للانطلاق نحو مفاوضات جديدة وفق الشروط الأمريكية الإسرائيلية خاصة ان الوثيقة المذكورة ليس لها صفة تشريعية، كما أنها غير صادرة عن مؤسسة فلسطينية منتخبة وإنما أصدرها مجموعة من الأسري خلف القضبان. ولا شك أنه يظل من غير المنطقي الدعوة إلي استفتاء وهناك احتلال وحصار تجويعي وفلتان أمني وازدواجية في السلطة، فأي استفتاء يجب أن يجري في ظل ظروف طبيعية لكي يكون الشعب متحرراً من أية ضغوط وبالتالي فإن مثل هذا الاستفتاء يعد غير قانوني لكونه يعقد في ظروف استثنائية. ويكفي ما يمر به الشعب الفلسطيني من ظروف قهرية بائسة فهل يمكن أن يستفتي جائع؟! حتماً مثل هذا الحوار بالأسلوب الذي أدير به والخيار الوحيد الذي فرضه عباس لن يفيد كثيراً. الطرح عشوائي ولا يمكن أن يسفر إلا عن نتائج عكسية ويصب إيجاباً في صالح إسرائيل لأنه سيكون عاملاً إضافياً في تعميق هوة الخلاف بين الفرقاء..!