في خطابه أمام الكنيست الاسرائيلي لنيل الثقة في حكومته تعهد رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود أولمرت بالمحافظة علي اسرائيل "دولة ذات أغلبية يهودية"، وقبل أيام صادقت المحكمة الإسرائيلية العليا علي قانون يمنع الفلسطينيين المتزوجين من عرب 48 من العيش في اسرائيل، ورفضت المحكمة طعنا قدمته منظمات الدفاع عن حقوق الانسان، ووصفت المنظمات هذا القانون الذي أقره الكنيست في يوليو الماضي بأنه "تمييزي" و"عنصري" فيما نددت به بشدة منظمة العفو الدولية ولجنة الأممالمتحدة لاستئصال التمييز العنصري، وبالطبع لم نسمع صوتا معارضا يخرج من الولاياتالمتحدة (راعية الديمقراطية والحريات) ولا من مريديها من أصدقائنا الليبراليين العرب المبشرين بالديمقراطية الغربية، الذين يري بعضهم أن اسرائيل تمثل واحة الديمقراطية في المنطقة. وقبل أربعة أعوام اظهرت الإدارة الأمريكية - كعادتها - نزوعا صهيونيا يفوق نزوع الصهاينة أنفسهم، حين استماتت في رفض ادراج قضية المساواة بين الصهيونية والعنصرية علي جدول أعمال المؤتمر الدولي لمناهضة العنصرية الذي عقد في جنوب افريقيا، ورغم ان ادراج القضية علي جدول الأعمال يعني أن يتاح لكل من المؤيد والمعارض لمساواة الصهيونية بالعنصرية عرض وجهة نظره وتفنيد رؤية الآخر، إلا أن واشنطن رفضت حتي مجرد مناقشة الأمر دون أدني مراعاة لاعتبارات الديمقراطية التي ما تنفك تتشدق بها ليل نهار. والمعروف أن الجمعية العامة للأمم المتحدة كانت قد أصدرت في العاشر من نوفمبر 1975 قرارها رقم 3379 القاضي باعتبار الصهيونية شكلا من أشكال العنصرية وصدر القرار بأغلبية 73 صوتا مقابل 35 صوتا وامتناع 32 صوتا. وكانت الجمعية العامة قد أقرت قبل ذلك بعام عضوية منظمة التحرير الفلسطينية في الجمعية بصفة مراقب دائم ولها الحق في الاشتراك في جميع المناقشات المتعلقة بقضية الشرق الأوسط وتلي ذلك بالطبع شن حملة صهيونية ضد مصدري القرار تتهمهم بمعاداة السامية وهي التهمة المعتادة لإرهاب كل من يتجرأ علي رفع إصبع للاعتراض علي جرائم الصهاينة، ونال رذاذ الحملة كورت فالدهايم الأمين العام للأمم المتحدة، وترددت أقاويل حول علاقته بالنازية في شبابه. غير أن مياها جديدة جرت في نهر الأحداث، بعد كامب ديفيد الأولي وظهور ما سمي بمسيرة السلام وتسوية الصراع في الشرق الأوسط، فرأت اسرائيل وحلفاؤها أن من حقها أن تكافأ علي مجرد تظاهرها بقبول تسوية، وكان الغاء قرار اعتبار الصهيونية فكرة عنصرية احدي المكافآت التي نالها القرار الصهيوني، وشاركت للأسف بعض الدول العربية في التطوع بتقديم المكافأة قبل أن يطرح الكيان أي قرائن تدلل علي قبوله بقرار سلام حقيقي، وتم بالفعل الغاء القرار في 16 ديسمبر 1991 بموافقة 111 دولة منها بالطبع عدد لا يستهان به من الدول التي سبق لها التوقيع علي قرار نوفمبر 1975. أكذوبة النقاء العرقي والواقع أن كل الافكار الأساسية للصهيونية تتسم بطابعها العنصري وتقوم علي زعم تفوق اليهود علي جميع الشعوب.. وإمعانا في العنصرية ذهب بعض عتاة الصهاينة إلي محاولة تلفيق أدلة علمية مزعومة تنسب النقاء العرقي والجيني لما يسمي بالشعب اليهودي، ورغم أن الشواهد الظاهرة تبين بوضوح استحالة التماثل الجيني بين يهود أثيوبيا مثلا ويهود شمال أوروبا أو كندا الذين يختلفون بدورهم عن يهود العراق وفلسطين، ومع جميع الآراء الأقرب للمنطق التي تشير إلي أن اليهود الأوائل لو صحت قصة معيشتهم في فلسطين سيكون نسلهم ضمن أهل فلسطين الحاليين الذين اعتنقوا الإسلام أو المسيحية أو الذين بقي منهم من بقي علي يهوديته، إلا أن الدعوة الصهيونية لا تستقيم إلا بادعاء نقاء عنصري وعرقي يميز يهود العالم من أقصاه إلي أقصاه ويدفعهم للهجرة والاستيطان في أرض يسكنها شعب آخر الأمر الذي يستلزم طرده أو اقتراف جرائم إبادة جماعية في حقه حتي تخلص الأرض لشعب الله المختار، الذي وعده الرب قائلا "لنسلك أعطي كل هذه الأرض من النيل إلي الفرات" وهو ما يستلزم بدوره ان يكون علم هذه الدولة علي هيئة خطين أزرقين يرمزان إلي النيل والفرات وتتمدد في المساحة بينهما نجمة داوود. العنصرية كما تفهمها واشنطن واذا كانت الولاياتالمتحدة التي تناضل لدفع تهمة العنصرية عن اسرائيل غافلة عن سياسة التمييز العنصري التي تمارسها الدولة الصهيونية ضد الفلسطينيين في الأراضي التابعة للسلطة الفلسطينية من إبادة جماعية وتجويع وتعذيب في السجون وتشريد لدفعهم إلي ترك أراضيهم والفرار إلي البلاد العربية المجاورة مثلما أعلن ذلك أكثر من مسئول صهيوني من قبل أو القضاء عليهم واخلاء الأراضي منهم، فالأمر المثير للدهشة ان واشنطن "راعية الحريات" و"حامية حقوق الانسان" المزعومة تتعامي عما تمارسه "دولة اسرائيل" التي اعترف بها القانون الدولي والشرعية الدولية والنظام العالمي الجديد، فصار لزاما عليها أن تتصرف كدولة مسئولة عن مواطنيها وبينهم العرب الذين شاء حظهم ان يصبحوا أقلية داخل الدولة اليهودية بعد ان كانوا أصحاب الأرض الأصليين، واذا لم يكن تنامي إلي سمع الولاياتالمتحدة ما تمارسه ربيبتها المدللة من ممارسات عنصرية ضد فلسطيني الأرض المحتلةوفلسطيني ،48 ألم تسمع بالسياسات التي تمارسها حكومات اسرائيل المتعاقبة في القدس التي احتلتها منذ 1967 بهدف تهويدها من مصادرة لاراضي الفلسطينيين بدعوي التخطيط والبناء علي أسس منظمة، ودفع العرب إلي مغادرة المدينة بحثا عن مشاكل خارج حدودها بينما تنفق المبالغ الضخمة "التي يأتي معظمها من مساعدات امريكية" لانشاء احياء يهودية في القدسالشرقية؟ ألم تحط علما ببرفض السلطات الاسرائيلية تلبية طلبات لم شمل الأسر التي قدمتها نساء فلسطينيات يقمن بالقدس من اجل ازواجهن الذين اضطروا لترك المدينة لسبب أو لآخر من 1994؟ أو ليست عنصرية ان يسمح لليهود المهاجرين بالاستقرار في المدينة معززين مكرمين بينما يمنع تسجيل الطفل المولود لأبوين احدهما من الفلسطينيين المقيمين في القدسالشرقية في سحل المواليد او اعطائه رقما قوميا؟ ان لم تكن هذه الأمثلة - وهي غيض من فيض - دليلا علي عنصرية الصهيونية فكرا وممارسة، فكيف إذا تكون العنصرية بالصورة التي تفهمها الولايات المتحدة؟