في كل يوم تتضح امامي صعوبة العمل في قصور الثقافة، لا لشيء الا لأن الفكرة التي جاءت من باريس علي يد ثروت عكاشة تناولتها كثير من الايدي والافكار وانتجت اجيالا من المبدعين وصانعي الثقافة منهم هذا الموهوب فاروق حسني الذي عاش في الاسكندرية مبشرا بالموسيقي والرسم. ولكن في ظل عصر الرئيس السادات لم تلق الثقافة الجماهيرية او هيئة قصور الثقافة ما كان يجب ان يحرص عليه الرجل، لأن الثقافة هي الزاد الذي ينتج للمجتمع بوصلة يسير عليها ويهتدي بها، واكاد اقول ان الغرق في المظهرية الدينية والمظهرية الاجتماعية كان من اسبابه تقاعس الثقافة الجماهيرية عن القيام بدورها الذي كان يجب ان تقوم به فترهلت علي ايدي الذين تولوا قيادتها تباعا. وان كان هناك العديد من الشخصيات اللامعة التي قادتها، ولم يستطيعوا ان يفكوا اسر هذا المجتمع من رغبة الاستسلام لثقافة النفط، وهي الثقافة التي مازلنا نعاني منها حتي هذه اللحظات، بل وتعاني منها مجتمعات النفط نفسها، فهي قد انتجت تحت اشراف المخابرات الامريكية عقليات مثل بن لادن، وقد انغمس البعض في السلفية الشكلية، وحصروا انفسهم في الغاء اول سبب لوجود الانسان علي الارض، وهو حق الاختيار وارادوا غلق العقول والقلوب كي يتحول البشر الي مجرد قرب من الدم، وتجلي كل ذلك في حادث اغتيال الرئيس السادات رحمه الله. ولست في حالة استعراض لتاريخ الثقافة الجماهيرية، ولا هيئة قصور الثقافة كما هو اسمها الحالي، ولكني اشعر ان مهمة الثقافة ليست اعادة صياغة البشر، ولكن لاتاحة الفرصة للبشر خصوصا الاجيال الشابة كي يتعلموا فنون التفكير وحرية الاختيار وفنون ادارة العمر، واكاد اقول ان علي هيئة قصور الثقافة ان تدخل في مجال الحرف التقليدية لتصونها وتطورها، فالحكاية ليست معرضا للوحات او اصدارا للكتب، او اقامة احتفالات بالمناسبات العامة او حتي تجريب فرق مسرحية، المسألة تبدأ من فنون الحياة واعادة اكتشاف الموهوبين في الحرف الشعبية التي يمكن ان تحقق دخلا للشاب في القرية وللبنت في الريف، واظن ان يد الصندوق الاجتماعي يجب ان تمتد بالملايين لنؤسس قصورا للثقافة لا تعتمد فقط علي فخامة المباني، ولكن تعتمد علي كيفية سد ما يسمي بالفجوة في التفكير ومحتوي ما يحلم به الجيل الشاب ان يكون عليه في المستقبل، وكيفية التواصل مع العالم. وبطبيعة الحال فكلامي هذا لا يعني انني ضد معارض الفن التشكيلي، او ضد اصدار ما يعين المواهب الشابة علي صقل تجربتها واستيعاب التراث، ولكن المعارض للفنانين، وطباعة الكتب الراقية هما ضمن الوسائل، لاعادة اكتشاف ما في اعماق الاجيال الشابة من مواهب. واذا كان فاروق حسني قد اختار احمد نوار لهذه المهمة، فعين الصقر التي يفخر بها احمد نوار عليها ان تصوب الرصاصات ضد التخلف، رصاصات تفتح افاق الامل لجيل غرق بعضه في شكلية الايمان وأعمت بصيرته تعاليم الغاء العقل واغلاق العقل عن التواصل مع العصر. منير عامر