بين التطلعات والواقع تتأرجح سياسة سويسرا الاقتصادية الخارجية للبحث عن أفضل النتائج التي يمكن الحصول عليها.. إذ إنه بعد اتفاقيات التبادل التجاري الحر التي وقعتها سويسرا في السنوات الأخيرة مع مختلف دول العالم ذات الثقل الاقتصادي، سواء جغرافيا أو تجاريا، يجد الخبراء السويسريون أنفسهم أمام تحديات جديدة من بينها تعثر مفاوضات التجارة الحرة مع الولاياتالمتحدة، ومخاوف علي مكانة سويسرا الاقتصادية في دول الاتحاد الأوروبي، وظهور الهند والصين والبرازيل كلاعبين جدد علي ساحة الاقتصاد العالمي، وهو ما قد يؤدي إلي قلب الموازين الاقتصادية العالمية في المستقبل القريب وفقا لتوقعات أغلب المراقبين. ولأن السويسريين لا يؤمنون بالمصادفة بل يستخدمون كل ما لديهم من إمكانيات فكرية لمحاولة رسم سيناريوهات مختلفة للمستقبل عقدت في جنيف قبل أيام ندوة وضعت طموحات رجال الصناعة والتجارة أمام تحديات تمثلت في إمكانيات سويسرا السياسية علي الصعيد الداخلي والخارجي، والعولمة الاقتصادية التي اجتاحت العالم بأسره.. فلدي سويسرا مقومات مختلفة هي مفاتيح قوتها الاقتصادية مثل التعليم الجيد والتسهيلات الضريبية والبنية التحتية المتميزة. يقول البروفيسور هاينز هاوزر مدير معهد الاقتصاد الخارجي التابع لجامعة سان جالن الاقتصادية إن الاقتصاد السويسري يتكيف بشكل سريع واستراتيجي مع المتغيرات التي يعيشها العالم في السنوات الأخيرة بدليل التطور المشهود في برامج سياسة سويسرا الاقتصادية التي أصدرتها الحكومة مؤخرا، إلا أنه طالب بتحرير المزيد من القطاعات الاقتصادية الداخلية؛ لتوسيع حركة التعاملات التجارية الخارجية، كما يشجع ذلك أيضا علي التجارة الداخلية البينية، ويرفع من روح التنافس بين المنتجين لصالح المستهلك. ويعتقد هاورز أن الاقتصاد المحلي السويسري جيد مقارنة مع كبريات الدول الصناعية الكبري، مشيرا إلي أن مقومات النجاح السويسري هي التأهيل الجيد للقوي العاملة سواء علي الصعيد الأكاديمي أو الفني أو التقني، إلي جانب التسهيلات الضرائبية الجيدة مقارنة مع دول الجوار والبنية التحتية المتقدمة التي تواكب أحدث التقنيات العالمية.. ويري أن ما ينقص هذه المؤهلات أن تعمل سويسرا علي استقطاب أفضل الكفاءات البشرية من جميع دول العالم، وليس فقط من دول الاتحاد الأوروبي. ولأنه يعرف بخبرته العميقة بالسياسة السويسرية أن المتاح حاليا لا يسمح بالاقتراب من الاتحاد الأوروبي، فقد أعرب عن أمله في أن تسعي الكونفيدرالية للوصول إلي اتفاق جمركي خاص مع دول الجوار، لأنه الحل الوحيد المتاح علي المدي القصير، حسب رأيه، إذ ليس من المؤمل أن تصبح سويسرا أكثر ليبرالية مما هي عليه حاليا. وتشير التقارير الحديثة إلي تراجع تعامل سويسرا التجاري مع الأعضاء الجدد في الاتحاد الأوروبي لصالح النمسا التي حصلت علي فرص أفضل للتعامل مع دول وسط وشرق أوروبا، وهو ما أصاب قطاعي الصناعة والتجارة السويسريين بخيبة أمل، لم يعوضها ارتفاع حجم التعامل التجاري مع الولاياتالمتحدة، الذي كان من نصيب قطاعات محددة. وإذا كان السويسريون رفضوا دخول الاتحاد الأوروبي وفضلوا الحصول علي علاقات متميزة من خلال الاتفاقات الثنائية القطاعية، فإن "الطريق الثالث" المقترح حسب رودي مينش الباحث في المعهد الاقتصادي في خور عاصمة كانتون جرابوندن هو تفعيل نوع من الاتفاق المتميز بين سويسرا والاتحاد الأوروبي يسهل مرور البضائع من وإلي سويسرا، حيث يعتقد وفق دراسة أعدها المعهد بأن حجم التبادل التجاري بين سويسرا والاتحاد الأوروبي سيرتفع بمعدلات مرضية وبشكل سريع، إذا ما تمكن السويسريون من القضاء علي الحواجز الجمركية. ويعتقد بعض الخبراء الذين شاركوا في الندوة أن الأوضاع الراهنة في عالم الاقتصاد المتغير بسرعة كبيرة لا تتطلب حلولا وسطا بل خطوات سريعة ولكنها واثقة اعتمادا علي الخبرة السويسرية العريقة في المجال الاقتصادي والقدرة علي تحليل البيانات وقراءة البيانات بعين مستقبلية. الجميع اتفقوا علي أن مضي سويسرا منفردة في طريقها هو الحل الأكثر صعوبة الذي يصل إلي درجة الاستحالة لذلك يقول البروفيسور كوتييه: إن المتغيرات الاقتصادية الدولية اليوم يجب أن تدفع السويسريين للتحرك أسرع، مع ضرورة الإشارة إلي أن موازين القوي الاقتصادية تتغير، ومن السذاجة أن يظل البعض مقتنعا بأنها ستبقي دائما في يد "ذوي العيون الزرقاء" علي حد قوله.