يبدو أن علاقتنا - كمجتمع - بالمختلين عقليا ستظل مستمرة لفترة طويلة. استشهد علي ذلك بما مضي من احداث وقعت نسيت الي مختل او مختلين عقليا. واحداث اخري تقع ومازالت، يلعب فيها المختل عقليا دور البطولة، واذا مددنا الخط علي استقامته فهذا يعني انتظارنا لأحداث اخري ايضا يظهر فيها ذلك المختل عقليا في واجهة المشهد. والخلل العقلي في المصطلح العام يشير الي ان صاحبه "راجل اهبل" او "راجل مجنون" اي ان حالته العقلية غير مستقرة ويقوم باعمال تبدو غير منطقية لا يستطيع احد ان يساءله عنها. لكن مسألة الخلل العقلي هذه بدت غير منطقية في حادث الاعتداء الاخير علي كنائس الاسكندرية، خاصة وانها ليست الاولي، بل منذ ست سنوات او ما يزيد اعتدي مدرس ثانوي علي قمص طعنا بالسكين في كتفه ويده وصدره وفي ذلك الوقت قبضت سلطات الامن علي الجاني علاء عبدالعظيم الافندي البالغ من العمر 29 سنة والمدرس الثانوي ببلدة برديس واصدرت تصريحا بأن الجاني "مختل عقليا". بعض الاراء تري انه قد جرت العادة علي اطلاق وصف "مختل عقليا" علي كل مسلم يعتدي علي المسيحيين او يقتلهم، ضمانا للحصول علي حكم قضائي مخفف. وفي الحادثة الاخيرة اشارت مصادر الداخلية المصرية إلي ان محمود صلاح الدين عبدالرازق وهو عامل يعاني من اضطراب نفسي.. بينما تقول وكالات الانباء باعتقال 3 اشخاص يرجح انهم متطرفون. ثلاثة اعتداءات علي ثلاث كنائس، في وقت متقارب، في عملية - اذا صحت هذه الرواية - تذكرني بأفلام "الاكشن" الخيالية، التي يقوم فيها شخص بانجاز عمل لا يستطيعه غيره لاستحالته منطقيا. ومع ذلك انا اصدق ان من يفعل مثل هذه الفعلة لابد ان يكون مختلا، ولكن ليس خللا عقليا، بل حلل في محيطه ومجتمعه انتقل اليه بالعدوي وضغط علي عقله وذهنه ليصبح ما يفعله وكأنه عمل بطولي. أمر آخر لماذا لا يظهر هذا "الخلل العقلي" الا في هذا الاتجاه، وهل يفترض علي المصريين المسيحيين ان يتحملوا مثل هذا الخلل مرة تلو الاخري باعتبارها إحدي ظواهر الطبيعة. الا ننتظر منهم ان يغضبوا علي مثل هذه الافعال التي لا تستند الي دين او عقل او منطق ومع ذلك لابد ان نعترف انها تلقي قبولا لدي جماعات - وان كانت ضئيلة - الا انها موجودة. ان الخلل العقلي عندما يوجد، فان المجتمع والتشدد، والتفسيرات الدينية الخاطئة، والمغرضة توجه هذا الخلل الي اتجاه فعل عنيف يعشش في ذهنية من يقوم به واخرين يدعمونه من خلف ستار بكساء يبدو نبيلا وهو ليس كذلك. لم يعد الموضوع الان قصة عنصري الامة، وأفكار الوحدة الوطنية، تعانق الهلال مع الصليب، كل هذه اشياء جميلة جدا ومطلوبة للغاية ولكن ينقصها الفعل الجاد الايجابي تجاه امة واحدة، ومواطنين احرار، ومجتمع يعتقد في حق التعدد لان الله خلق الكون كذلك، فهل هناك من يريد ان يغيره. ماذا فعلنا، وماذا سنفعل تجاه هذا الامر والي متي سنسمح "للمختلين عقليا" ان يحددوا مصير امة من خلال افعال طائشة لا يقرها الله ورسوله. ان المنطقة كلها ومصر في القلب منها تتعرض لمرحلة تحولات وتغيرات عميقة واذا لم نحدد نحن ماذا نريد وكيف ومتي، سيضع لنا اخرون خططهم الخاصة وسيضعنا المختلون علي طرق دامية لا نريدها، ولا نفكر بها - حيث ستعود بنا السنين الي الوراء. يجب علنيا ان نواجه انفسنا بصراحة وواقعية، في المجتمع افكار، واقوال، واعلام واشخاص، وتنظيمات تريد ان تدفعنا دفعاً الي الانقسام، ونحن هنا نتحدث ليس عن مجموعة او فئة صغيرة بل عن ملايين المصريين ومعهم كثيرون مسلمون ومسيحيون يرغبون في ان يواجهوا ذلك "المختل وسنينه".