ضربت التصريحات المتوالية حول تأخر الانتهاء من قانون الإرهاب كل المتفائلين بخطوات الإصلاح السياسي في مقتل. فبين تلكؤ اللجنة المشكلة لإعداد قانون الإرهاب، وتصيد الثغرات القانونية، وتباطؤ الحكومة المتعمد في تقديم القانون لمجلس الشعب وأغراض أخري يبدو أن أسوأ القوانين "الطوارئ" سيمتد العمل به ما بين عام ونصف العام إلي عامين. والذريعة الحكومية هنا أن قانون الإرهاب لم تنته صياغته، وطبعا لا يمكن إلغاء قانون الطوارئ دون إيجاد ذراع طولي أخري تستخدمها السلطات لإحكام قبضتها علي الشارع المصري.. النتيجة إذن أن قانون الطوارئ باق معنا. وأظن أن ذلك هو أسوأ ما يمكن أن يفعله النظام المصري للإساءة إلي نفسه.. فهو أولا تراجع عما وعد به الرئيس في برنامجه الانتخابي من إيقاف العمل بحالة الطوارئ، وتلكؤ لا تبرير له سوي إبقاء البلد تحت قبضة حديدية بدعوي الحماية من الإرهاب، وتراجع في مسيرة الإصلاح السياسي الذي تتحدث عنه الحكومة وتعد به في كل لحظة دون تفعيل. ولو كانت النوايا حسنة أو علي الأقل طيبة لما زاد مد العمل بقانون الطوارئ علي ستة أشهر أو ثمانية علي أكثر تقدير.. فاللجنة المشكلة لقانون الإرهاب يمكنها أن تعمل بجد أكثر للانتهاء منه بسرعة معقولة إذا أرادت لكن إذا كانت النوايا غير ذلك.. فهذا يطرح أسئلة كثيرة حول النوايا الحقيقية للإصلاح السياسي ولإحداث نقلة ديمقراطية في المجتمع المصري. لقد أوصي المجلس القومي لحقوق الإنسان للمرة الثانية في تقريره السنوي بإنهاء حالة الطوارئ، وما يرتبط بها من تطبيق أحكام قانونية استثنائية تهدد أو تنتقص من حقوق وحريات الأفراد.. وقال التقرير إن المجلس إذ يؤمن أن الحفاظ علي أمن الوطن قضية إجماع، فهو يري أنه ليس ثمة تناقض بين تحقيق ذلك وكفالة حقوق المواطن.. وطالب المجلس بسرعة إنهاء حالة الطواريء.. وتصفية أوضاع المعتقلين، ورصد في تقريره حالات انتهاك حقوق الإنسان باستخدام الطوارئ.. وذكر التقرير مئات الحالات "البعض يرصدها بالاَلاف" ممن اعتقلوا في أوائل التسعينيات دون وجود أحكام ضدهم "بمقتضي المادة الثالثة للطوارئ" وهؤلاء غالبيتهم معتقلون سياسيون ينتمون لجماعات دينية أو عرف عنهم اشتراكهم في المظاهرات. وأشار التقرير إلي الاعتقال المتكرر وإلي حالات التعذيب وإساءة معاملة السجناء التي أدت في بعض الأحوال إلي وفاة بعضهم.. وجميعها يستخدم قانون الطوارئ وتنتهك كل المعايير والقوانين الدولية التي وقعت عليها مصر أو المباديء الدستورية التي تكفل حماية حرية الفرد وعدم المساس بها. إن قانون الطوارئ هو سبة في جبين وطن يسعي للحرية ويسعي لأن يجد لنفسه ولأبنائه مكانا وسط دول متقدمة.. فهو قانون يعزل بين أصحاب السلطة وبين الشعب ويوجد حالة من السلبية والشعور بالظلم وبانعدام الانتماء. ولا يمكن الحديث أن أي تقدم في أحوال حقوق الإنسان في مصر أو في ممارساتها بمعزل عن إيقاف العمل بالطواريء، وأي حديث غير ذلك هو الهزل بعينه. تمديد الطوارئ لعامين إن حدث وموعد التمديد قادم في مايو هو ردة حقيقية عن بدء الإصلاح السياسي.. ونكسة قد ندفع ثمنها باهظا. نقطة فاصلة: تمديد الطواريء عامين أي مع اقتراب نهاية ولاية الرئيس الأمريكي بوش هل لذلك أي معني؟! مجرد ملاحظة.