أحيانا يكون الاحساس بالقوة لدي الأبناء حين يبلغون أشدهم ويحصلون علي فرصة أفضل في الحياة، سببا في عقوقهم للآباء والأمهات وخاصة حين يشيخ الابوان وقد يصيبهما المرض او الوهن او تضيق بهما سبل الحياة.. وهنا تنقلب الآية، فيصبح الأبوان اللذان حملا الطفل رضيعا ورعياه حتي زحف ثم وقف ثم تكلم ثم تعلم حتي شب عن الطوق واصبح ذا كيان، يصبح الابوان في حاجة الي مساندته لهما ورعايته اياهما احدهما او كلاهما. ولست أدري لماذا اصبح العقوق ظاهرة، وهل هو كذلك بالفعل ام ان تركيز وسائل الاعلام علي النماذج السيئة هو الذي يعطي الانطباع بهذا المظهر الشائن في العلاقات الاجتماعية.. ربما يكون الامر فيه مبالغة لان عقوق الابوين وجحد فضلهما ينطوي علي خبث الطبع لدي بعض الابناء وانعدام البصيرة والتأمل. فالام التي ارضعت طفلا رضيعا لا حول له ولا قوة لا تستحق ان يضربها هذا الابن حين يشب ويصبح ذا قوة. والاب الذي عمل وجاهد ليوفر لطفله علبة لبن او لعبة صغيرة او يعطيه عيدية في يوم عيد لا يستحق ان يهان ماديا او معنويا حين يصيبه السن بالعجز او المرض او تصيبه الوحدة بعد استقلال ابنائه عن حياته. الحاجة المعنوية لا تقل اهمية عن الحاجة المادية، فالابناء الذين ينصرفون الي حياتهم وينسون ان لهم اباء او امهات ولا يزورونهم او يسألون عليهم حتي بالتليفون إلا من العام الي العام هم ايضا مقصرون لان حاجة الانسان الي الدعم المعنوي لا تقل اهمية عن الحاجة المادية للمال او الدواء او وسائل الانتقال من هنا الي هناك. إن الايام دول وما يقدمه الابناء من عقوق لوالديهم في ايام قوتهم وضعف آبائهم ينتظرهم في وقت لاحق، وكما ينصرف الابناء عن السؤال عن ابائهم وامهاتهم بزعم انهم مشغولون بأمور حياتهم وان اطفالهم اولي بالرعاية، فان الدائرة سرعان ما تدور ويسأل الابن اباه ماذا فعلت بجدي او بجدتي. ان تطوير علاقة المجتمع بالمسنين اصبحت في حاجة الي اهتمام من اجهزة الرعاية الاجتماعية ومؤسسات المجتمع المدني بعد ان ضعفت الروابط الاسرية وتفشي العقوق بين الابناء وهذه الظاهرة ليست تقتصر فقط علي العلاقات الاسرية الحقيقية ولكنها ظاهرة بدأت من العلاقات شبه الاسرية في مجتمع العمل وهو مجتمع كبير اصبح ينظر الي السابقين بصورة غير محترمة حتي المعاش الذي يحصلون عليه يتحدث البعض عنه وكأنه منحة او صدقة وليس حقا ناتجا عن علاقة طويلة ومنتجة اعتقد ان اولي خطوات اصلاح اجتماعي حقيقي هي كيف ننظر نظرة متوازنة الي الاجيال: الطفل - الكبار - المسنين.