باستحقاق وجدارة.. فاز فريقنا القومي لكرة القدم ببطولة كأس الامم الافريقية مما ادخل الفرحة الغامرة في قلوب المصريين جميعا الذين كانوا - بلا شك في حاجة شديدة الي هذا الانجاز ليتغلبوا به علي مشاعر الحزن والاسي التي هزت قلوبهم بعد كارثة العبارة المشئومة ولو لبعض الوقت، والشيء المثير للاهتمام والدهشة معا انه كما كان حزننا عميقا صادقا اصابنا بالهم والاكتئاب علي ضحايا العبارة كانت فرحتنا غامرة طغت علي مشاعرنا شعبا وحكومة كبارا وصغارا اي اننا انتقلنا من النقيض الي النقيض في فترة زمنية وجيزة وهذا التطرف في المشاعر عند المصريين لابد يحتاج الي وقفة ودراسة من قبل خبراء الاجتماع وعلم النفس. واذا عدنا الي فوز المنتخب نقول انه كان فوزا مستحقا ولكن مظاهر الفرحة به كانت مبالغا فيها الي حد كبير وسط الظروف المؤلمة التي يمر بها ابناء من هذا الوطن هم اهل الضحايا الذين ابتلعهم البحر داخل عبارة الموت، والناجون الذين رأوا اهوال الموت بعيونهم ولكن الله كتب لهم النجاة والسلامة ورغم ذلك فسيظلون يعانون من آثار هذا اليوم الاسود الذي عاشوه،واذا كنا لا نريد ان نقلل من فرحة اعضاء المنتخب بفوزهم الكبير الذي كان من المؤكد نتاج جهد وعرق وتنظيم جيد استحقوا ان يقطفوا ثماره الا ان الحدثين حملا مفارقة اخري قد تعد من انواع الكوميديا السوداء تتمثل في الفرق بين مكافآت اللاعبين وبين تعويضات الغرقي. فما إن اطلق الحكم التونسي صفارة نهاية المباراة معلنا فوز مصر بالكأس حتي انهالت المكافآت علي اعضاء المنتخب لاعبين واداريين وفنيين من كل حدب وصوب، ففضلا عن المكافآت الرسمية قام سمير زاهر رئيس اتحاد كرة القدم بالتفاوض مع عدد من رجال الاعمال لزيادة المكافآت المقررة وفي نفس الوقت اعلن عدد من رجال الاعمال عن تبرعات و عطايا بالملايين للمنتخب وظهرت علي الحكومة اعراض الكرم الحاتمي فجأة وهي التي كانت قبل ايام قليلة من هذا الحدث شحيحة الايدي وهي تتعامل مع تعويضات المنكوبين حيث خصصت وزارة المالية مليوني جنيه مختومين بختم النسر والبيروقراطية فقط لا غير وهو ما عرض الحكومة للانتقادات الحادة اثناء لقاء الدكتور احمد نظيف رئيس الوزراء مع المشاركين في مناقشة تقرير التنمية البشرية في مصر. وهكذا كان ضحايا الوطن من غرقي عبارة الموت هم الارخص سعرا والاقل قيمة حيث اعلنت الحكومة عن بدء صرف تعويضات متواضعة للغاية لم تتعد ال30 الف جنيه للغريق و15 الف جنيه لكل ناج، بالاضافة الي 5 آلاف جنيه تكاليف جنازة لكل متوفي كتعويض مبدئي من وزارة التضامن الاجتماعي وذلك ل364 من أسر الضحايا والناجين وسيتم صرف التعويضات للباقين بمجرد اصدار القانون وتعديل المادة التي تتيح اعتبار المفقود في عداد المتوفين بعد انقضاء 15 يوما من وقوع الحادث وتشير الارقام الي ان اجمالي التبرعات بلغ 19.4 مليون جنيه اي ان التعويضات حتي الان لا تتجاوز كونها ارقام مجردة تتصدر العناوين الرئيسية في وسائل الاعلام واخشي ان يحصل هؤلاء الفقراء علي الفتات وان تغرق باقي التعويضات في بحار الروتين والبيروقراطية واسألوا اهالي القطار والمحرقة. ورغم ان التعويضات مهما بلغ حجمها لن تنسي هؤلاء المكلومين آلامهم وجراحهم وحزنهم الجلل علي احبائهم وذويهم الا انه من الواضح ان حياة هذه الاسر سوف يتواصل فيها الحزن والالم والمعاناة لسنوات طويلة لانهم من الناس البسطاء والفقراء الذين لا نريد لهم ان يظلوا لسنوات قادمة يجرون وراء تعويضات الحكومة دون امل وبصورة تهدر حقوقهم او تسيء الي كرامتهم. وأخيرا فانه ليس من اللائق اقامة حفل غنائي لتكريم المنتخب بدعوي تخصيص العائد بالكامل لاسر الضحايا كما اقترح بعض الكتاب والرياضيين لانه ليس من عاداتنا ان نقيم الافراح وجيراننا عندهم ميت فما بالك بانهم ليسوا جيران بل اهل واحبة في عيون وقلوب المصريين، واذا كنا نريد ان نسمح دموع اليتامي والارامل والثكالي فهناك العديد من الوسائل الاخري التي لا تجرح مشاعرهم وقد يكون من المناسب ان يخصص كل فنان مصري جزءا بسيطا من قيمة اول عقد عمل يوقعه في الفترة القادمة سواء في السينما او المسرح او التليفزيون او الحفلات الغنائية يتم جمعه بمعرفة احد رؤساء النقابات الفنية ويسلم للجهات المعنية بشرط تسليمه للاسر فورا وهذا قد يكون له صدي افضل عند الرأي العام من اقامة حفل في هذه الظروف الصعبة.