في الوقت الذي كان فيه التواجد الشعبي مؤثرا وفعالا في احتفالات كأس افريقيا كان ضعيفا وواهيا بل وغائبا تماما في مأساة العبارة السلام 98.. خرج مئات الآلاف من المصريين الي استاد القاهرة وملأوا الشوارع طوال الليل احتفالا بفوز فريقنا القومي.. بينما دفن اهالي ضحايا العبارة ابناءهم وراء صمت شعبي رهيب.. انهالت علي الفريق القومي الهدايا من كل جانب حتي وصل حجم التبرعات الي 50 مليون جنيه بينما انتظر اهالي شهداء العبارة جثث ضحاياهم التي وصلت في سيارات النقل والبضائع والميكروباصات.. كانت مشاركة المواطنين في مأساة العبارة قليلة للغاية فلم تتحرك جمعيات الانشطة المدنية والاهلية لتقديم اي دعم لاهالي الضحايا حتي ولو كان ذلك بالمساعدة في نقل الجثث في سيارات الاسعاف التي تمتلكها هذه الجمعيات.. وكان اخر التبرعات وربما اكبرها من حيث القيمة ما قدمته حكومة الكويت حيث قررت صرف مليون دولار لضحايا العبارة.. اما اثرياء مصر فلم نسمع اخبارا عنهم الا حالات بسيطة للغاية.. وفي تقديري ان هناك خللا اصاب العلاقات الانسانية في مصر وان الشعب المصري فقد الكثير من مشاعر التواصل.. واذا كان ذلك امرا طبيعيا بالنسبة للفقراء والبسطاء الذين لا يملكون شيئا فماذا عن اثرياء مصر الذين جمعوا ثروات مذهلة.. واذا لم تظهر صور التكافل الاجتماعي في هذه المأساة فمتي ستظهر.. واذا كان رجال الاعمال والاغنياء قد قدموا لفريقنا القومي كل هذه الملايين فلماذا لم يقدموا شيئا لضحايا العبارة في هذه الظروف الصعبة.. لا ادري لماذا غاب دور المجتمع المدني تماما في حادث العبارة هل لان الضحايا اسماء مجهولة من بسطاء الشعب المصري ام لان المجتمع المصري كله الدولة والشعب والمؤسسات كانوا مشغولون بكأس افريقيا ومهرجانات كرة القدم ام لان اضواء القاهرة الساحرة هي التي تجذب اهتمام كل الانشطة الاجتماعية.. لقد شعرت بحزن شديد وانا اتابع ما يجري في الشارع المصري افراح هنا واحزان هناك وشعب هنا وشعب هناك وبسطاء يعانون مأساة مروعة.. واغنياء يلهون في الشوارع في مهرجانات صاخبة.. هذا الانقسام في روح الشعب يمثل ظاهرة خطيرة لان الانقسام هنا ليس فقط في الفرح والحزن ولكن في كل شيء ابتداء بالثراء الفاحش والفقر المتوحش.