مع جنون اشتعال أسعار الطاقة وبما لها من تأثيرات سياسية بالغة ربما قد يضع الدول الرئيسية المنتجة في منطقة نفوذ يسمح لها بممارسة ضغوط دولية وما يتبع ذلك من حتمية أن يلجأ الغرب إلي تغيير استراتيجيته تجاه استيراد بترول الشرق الأوسط وهو المنطقة الأكبر في مجال إنتاج البترول في العالم، تحاول الدول الغربية تقليل الاعتماد علي البترول في هذا الإطار باستخدام أساليب الطاقة البديلة مثلما حدث واشترت مجموعة يابانية شركة وستنجهاوس المصنعة لمكونات المفاعلات النووية التي تعمل بالماء مقابل 5.4 مليار دولار. ولعل شراء توشيبا للشركة المنتجة للمفاعلات النووية يعكس توجهاتها المستقبلية ورغبتها في وضع أقدامها في أسواق الطاقة البديلة، وتؤكد تصريحات مسئولو توشيبا أن أي شركة ترغب في التوسع بوجودها في الأسواق.. وشراء وستنجهاوس لهي فرصة لا تعوض. وربما تسارع أو تعبر توشيبا عن الاتجاهات المستقبلية في إيجاد طاقة بديلة ويرتبط ذلك بالتأكيد بمحاولات إعادة إحياء بناء مفاعلات نووية جديدة في الولاياتالمتحدة المتوقفة منذ نهاية السبعينيات وإطلاق مبادرات وحملات دعائية للحصول علي تأييد الرأي العام الأمريكي، ونري واضحا مدي تصميم الغرب علي التخلص من إدمان البترول رغم أن ذلك سيتطلب الكثير من الوقت الذي لا ينصب في مصلحته وخصوصا مع ارتفاع تكلفة البترول المستمرة، إلا أن المفاعلات النووية لإنتاج الكهرباء من الماء الخفيف أو غيره لم تمر بمرحلة من التطور طيلة ما يزيد بكثير علي عشرين عاما ولم يظهر منها جيل جديد أكثر أمانا وسلامة. وأثبتت الكثير من الحوادث سواء في أوروبا أو أمريكا فشل هذه المفاعلات وخطورتها الأكيدة مهما بلغت درجة الأمان والسلامة. وبناء مزيد من المفاعلات سيخلف نفايات سامة ستزيد من تلوث الأرض ونقلها من بلد إلي اَخر سيثير استهجانا وفضائح. ولا يمكن مع ذلك عدم الإشارة إلي وجود شركات عملاقة لإنشاء المفاعلات النووية التي تجد لنفسها سوقا رغم كل الصعوبات والاعتراضات مثل شركة اريفيا الفرنسية أكبر شركة في العالم في مجال تصنيع المفاعلات النووية لإنتاج الكهرباء وهي علي قمة هذه الصناعة وتستحوذ علي 28% من الأسواق التي لا تجد مكانا لها في الغرب فقط، فهناك زيادة ملحوظة في اَسيا واستراليا. ويعتقد رئيس توشيبا وهي الأكبر في مجال أشباه الموصلات أن شراء وستنجهاوس سيوجد مزيجا لتقديم شيء أفضل. ويتوقع أن تتضاعف أرباح وستنجهاوس مع توشيبا إلي ما بين 5 و8 مليارات دولار بحلول 2015. والمعروف أن المفاعلات النووية غير محببة في اليابان بسبب سلسلة من الحوادث التي وقعت إلا أن أسعار البترول المرتفعة رغم المخاوف البيئية من شأنها أن تجد لها طلبا في الولاياتالمتحدة والصين. وربما بعض الأسواق النامية التي بدأتها بالفعل في التحرك بهذا الاتجاه بل وقطعت بعضها في ذلك مرحلة طويلة مثل إيران وكوريا الشمالية وأخري تخطط إلي ذلك. ورغم أن الصفقة لا تعدو أن تكون توسعا لمجموعة توشيبا اليابانية العملاقة فإن مسارعتها لشراء شركة أمريكية عريقة بدورها وتعمل في مجال بناء، وتصنيع مكونات المفاعلات النووية المستخدمة للأغراض السلمية لا يأتي بشكل غير مدروس بل إن خلفه هدفا بالتأكيد وهو الرغبة في أن تكون من أولي الشركات التي تمتلك مثل هذه المفاعلات أملا في تراجع قطاع البترول رغم أن كل المؤشرات واَخرها لمعهد أمريكي تشير إلي أن الغرب سيزيد من اعتماده علي المشتقات البترولية المكررة خصوصا بسبب النقص الواضح في إعداد مصافي البترول في العالم والحاجة إلي مصاف أخري إلي صيانة قد تستغرق أعواما واستغلت دول الشرق الأوسط والدول الأعضاء في منظمة أوبك هذا العجز وباتت تتوسع بقوة في بناء هذه المصافي حيث قدر المعهد الأمريكي المتخصص في مجال البترول زيادة اعتماد الغرب علي مشتقات البترول من الشرق الأوسط في الأعوام العشرة القادمة، وقدر معهد ماكينزي إجمالي ما صرفته دول الشرق الأوسط في بضع سنوات بحوالي 90 مليار دولار لبناء هذه المنشاَت بل واستوعبت الدرس بحيث أصبحت تري عدم جدوي التفريط في البترول الخام. وبالعودة إلي تفاصيل عملية بيع وستنجهاوس نجد أن هناك بعض التساؤلات حول كيفية أو قدرة الشركة علي تمويل عملية الاستحواذ المزمعة، إلا أنها تعتزم بيع أقل من نصف الأسهم لحوالي خمسة شركاء من بينها شركة "شاو" الأمريكية للمفاعلات النووية لتوليد الكهرباء وميتسوي وماروبيني اليابانيتين اللتين قالتا إنهما قادرتان علي تغطية التكلفة من خلال التدفق النقدي الداخلي ولدي توشيبا تدفق نقدي داخلي أي فائض يقدر ب 850 مليون دولار سنويا، إلا أن بعض المحللين لايزالون يتوقعون أن تصدر توشيبا المزيد من الأسهم للحصول علي تمويل من البنوك. وفي نفس الوقت أعلنت توشيبا عن زيادة تمويلها لقطاعها الرئيسي لإنتاج أشباه الموصلات في ظل زيادة الطلب علي رقائق الذاكرة الوامضة للتغلب علي منافستها في هذا المجال سامسونج وتحتاج إلي حوالي 250 مليون دولار لبلوغ هذا الهدف. إلا أن السؤال الذي طرح نفسه هل تستطيع صناعة المفاعلات النووية أن تنتج جيلا جديدا من المفاعلات أكثر سلامة وأمانا عن الجيل السابق وأن تتواصل في هذه الصناعة التي تجمدت تقريبا ربما منذ ما يزيد علي ربع قرن. ورغم أن صناعة البترول تسبب تلوثا هائلا لكوكبنا فإن المفاعلات النووية ليست أحسن حالا كما أن أخطارها جسيمة ولذلك لا يمكن أن نقول إن صناعة المفاعلات لن تجد ثوبا جديدا ترتديه لإقناع الجماعات الناشطة في مجال البيئة أنها باتت أقل ضررا عما كانت عليه في الماضي. ناهيك عن أن بناءها يستغرق أعواما طويلة وإجراءات معقدة من الوكالة الدولية للطاقة خاصة في الدول النامية إضافة إلي تكلفتها العالية التي تحتاج لوقت طويل لتغطيتها.