لم يكن فوز منظمة حماس بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني مفاجئا للكثيرين الذين يدركون ان ما حصدته حماس من اصوات ربما لايرجع الي امتلاكها الفعلي للتاييد الاغلبية العددية من ابناء الشعب الفلسطيني بقدر ما يرجع الي عاملين اساسيين لهما نفس القدر من الاهمية اولهما القدرة التنظيمية العالية التي باتت سمة تميز اغلب التنظيمات الاسلامية والتي تمكنها من حشد اصوات المؤيدين داخل صناديق الاقتراع وكما اثبتت تجارب عديدة مؤخرا ان الاغلبية العددية غير المنظمة لاتحقق اي مكسب في مواجهة قوة منظمة أمام لجان الانتخاب اما العامل الثاني فهو مايعرفه كثيرون داخل وخارج حدود فلسطين من فساد وترهل وفلتان امني غلب علي اداء السلطة الفلسطينية ويعلم المراقبون لتطور الاحداث جيدا كيف تحولت منظمة فتح من رمز ثوري للنضال المقدس جعلها درة حركات التحرر الوطني في النصف الثاني من القرن العشرين الي سلطة حكم يشوب سمعة بعض اقطابها شبهات دفعت بها لازمة خانقة وصلت الي حد اختطاف بعض فصائلها المسلحة مسئولين كبار واقتحام المراكز الامنية واضرام النار في بعضها حتي هدد بعض رموز السلطة باستقالتهم. وجاء انتصار حماس الساحق علي خلفية شعاراتها التي رفعتها في مواجهة هذه الازمة الخانقة من مناهضة الفساد والمحسوبية الي تبني سياسة الشفافية الي ضمان الوظائف للعاطلين وتدبير سبل الحياة الكريمة للمواطنين غير ان اطلاق الشعارات شئ ووضعها علي محك التنفيذ في الواقع امر اخر دونه عقبات شتي خارجية وداخلية وذاتية. ولعل الهم الاقتصادي من ابرز العقبات التي تواجه اي سلطة وطنية في الاراضي الفلسطينية فالفلسطينيون الذين ذاقوا الامرين من ويلات الاحتلال عبر اكثر من نصف قرن ومازالوا حتي الان يقاومون الاحتلال ويقدمون قرابين الحرية المتتالية شهداء ومصابين واسري مازالوا ايضا يمارسون حياتهم اليومية ويحتاجون لكل ما يحتاجه البشر من خدمات وفرص حياة وتعليم وعلاج. سيف مصلت والاقتصاد الفلسطيني يعاني من ازمات اكثر مما يتوقعه الكثيرون فالي جانب الازمات المعروفة المتعلقة بالاحتلال هناك ازمات ارجعها الدكتور عادل سمارة الباحث الفلسطيني الي اقامة سلطة بسرعة دون استقلال وتوظيف سريع دون موارد محلية وتمويل سريع من اطراف اجنبية وما لبث ان اصبح هذا التمويل هو سيف ديمقليس فلا يمكن لسلطة ان تصمد في الاراضي المحتلة الا اذا سارت بموجب تعليمات الممولين وهو يشير في كتابه "الرأسمالية الفلسطينية من النشوء التابع الي مأزق الاستقلال" الي ان قيادة منظمة التحرير لم يكن لها اية سياسة تنموية حقيقية فهي منظمة غنية من تبرعات القوي التي قررت احتواء المقاومة وعليه فهي لم تعرف فلسفة الانتاج والتنمية وهي السياسة التي استمرت مع السلطة الفسطينية فالتابع لايستطيع التفكير في الانتاج. ونعلم جميعا ان حالة التبعية التي فرضت علي الاقتصاد الفلسطيني سواء تبعيته للمولين الاجانب او اعتماده علي بعض جهات الدعم العربية التي تعني افتقار القيادات الفلسطينية الي الارادة السياسية الحرة في اتخاذ القرارات المصيرية لايقل عنها خطورة وربما يزيد حالة التبعية التي يفرضها واقع ارتباط الاقتصاد الفلسطيني باقتصاد اسرائيل منذ ما بعد نكسة 1967 وكانت الضفة الغربية قبل ذلك التاريخ تصدر الي بعض بلدان الخليج كالكويت والسعودية التين والعنب وزيت الزيتون كما كانت تمد الاردن بالكثير من المنتجات الزراعية والغذائية. وادي هذا النوع من التبعية إلي عدة مثالب تعوق اداء الاقتصاد الفلسطيني لعل من اهمها مارصده الباحثون من ارتفاع درجة الاعتماد المعيشي علي مصادر الدخل المتتالية من الخارج سواء من عوائد العمل في داخل اسرائيل او من المساعدات الخارجية مما يرفع حساسية الاقتصاد الفلسطيني للتقلبات الخارجية فضلا عن اتساع الفجوة الاقتصادية بين الضفة الغربية التي يعمل معظم اهلها في قطاع الخدمات المعاون للاقتصاد الاسرائيلي وقطاع غزة اضف الي ذلك تنامي حجم الاستهلاك الكلي وتجاوزه للناتج المحلي الاجمالي وتزايد الاعتماد في تلبيته علي الوارادت عموما والاسرائيلية خصوصا اذ يصل حجم ما يستورده الفلسطينيون من اسرائيل حوالي 75% من مجمل استيرادهم بينما تبلغ قيمة الصادرات الي اسرائيل 90% من مجمل الصادرات الفلسطينية.