يحق لتمثال الحرية الذي يرفع شعلته في سماء نيويورك أن يصرخ ألما وربما أن يطالب صناعه الفرنسيين بنقله إلي مكان آخر ليس فقط تنكرا لما تمارسه القوات الأمريكية في العراق وأفغانستان باسم الحرية والديمقراطية ولكن أيضا أسفا علي ما يحدث في الولاياتالمتحدة ذاتها مما ينسف كل ما يرمز له التمثال وما كان يحلم به كل مهاجر إلي أرض الأحلام منذ ظهورها من حرية وأمان واحترام للخصوصيات وفرص للنجاح والثراء وتحقيق الأحلام. فقد وافق الكونجرس الأمريكي قبل أيام علي تمديد البنود الرئيسية في قانون الوطنية الأمريكي لمكافحة الارهاب وكان هذا القانون الذي يطلق عليه اسم الوطنية والذي صدر بعد هجمات 11 سبتمبر عام 2001 قد أدي إلي توسعة سلطات الحكومة الاتحادية للقيام بعمليات تفتيش سرية والحصول علي سجلات خاصة والتنصت علي مكالمات هاتفية واتخاذ إجراءات أخري في إطار جهودها لتعقب الارهابيين المشتبه فيهم مما دفع أحد أبرز أعضاء مجلس الشيوخ وهو السناتور توم داشل زعيم الأغلبية السابق إلي وصفه بأنه يمنح الرئيس "سلطة شن حرب في أمريكا". ومن المنتظر أن يوقع الرئيس جورج دبليو بوش علي القانون علي الرغم من اعتراضاته ليس علي القانون ذاته بالطبع الذي يطلق يده في البلاد بل علي التمددي المؤقت للبنود ويصر علي أن يقبل الكونجرس حلا وسطا يجدد بصفة دائمة قانون الوطنية الذي يحل أجله في نهاية هذا الشهر. لكن داشل وغيره من المعارضين سعوا قدر استطاعتهم لمنع منح بوش سلطة التنصت علي تليفونات الأمريكيين دون إذن قضائي بحجة مكافحة الارهاب وقال داشل في تصريحات نشرتها صحيفة واشنطن بوست إن البيت الأبيض سعي لكنه فشل في أن يضيف للقرار عبارات كانت ستعطي الرئيس سلطة شن حرب داخل الولاياتالمتحدة وقال إنه رفض "قبول الطلب غير العادي للسلطة الاضافية" وأشار إلي أنه لا الدستور ولا القانون الذي صدر بعد 11 سبتمبر يخولان الرئيس هذه السلطة. وأضاف "هذا التغيير في اللحظة الأخيرة كان سيعطي للرئيس سلطة كبيرة لممارسة صلاحياته الواسعة ليس فقط في الخارج.. حيث نفهم جميعا أنه أراد السلطة ليتحرك.. لكن هنا في الولاياتالمتحدة ضد مواطنين أمريكيين" وكأن داشل لا يدرك أنه عندما يقبل "في خارج" ما لا يقبله "في الداخل"فإن الأيام ستجبره بعد ذلك علي قبوله. وقالت واشنطن بوست إن وزارة العدل اعترفت كذلك في رسالة إلي الكونجرس بأن أمر التنصت الذي أصدره الرئيس في أكتوبر عام 2001 لا يتفق مع بنود القانون الذي ينظم التجسس المحلي منذ عام 1978. وليس قانون الوطنية وحده هو ما يؤلم تمثال الحرية ويفقده معناه ومصداقيته كما يؤلم كل الأمريكيين الذين آمنوا بما يرمز إليه التمثال فعلي الرغم من أن مجلس النواب أقر قبل ذلك بأيام تشريعا نهائيا يحظر تعذيب المحتجزين إلا أن الرئيس ونائبه دافعا بضراوة عن ضرورة التزام المحققين بعمل "ما يلزم" للحصول المعلومات علي المعلومات لدعم الدفاع عن البلاد. ويأتي حظر التعذيب بمثابة تأنيب من الكونجرس لبوش الذي عارض مشروع القانون الذي طرحه جون مكين العضو الجمهوري في مجلس الشيوخ ردا علي فضائح الانتهاكات في معاملة الأمريكيين للمعتقلين في سجن أبو غريب في العراق وتقارير عن وجود سجون سرية تابعة لوكالة المخابرات المركزية (سي. اي. ايه) في الخارج وأساليب التحقيق القاسية في جوانتانامو وأفغانستان وفي أماكن أخري. ورغم الموافقة في نهاية الأمر علي مشروع قانون حظر التعذيب إلا أن منظمات حقوق الإنسان تقول إنه قوض جزئيا بتقييد حقوق المعتقلين في جوانتانامو في اللجوء إلي المحكمة وبالسماح باستخدام معلومات جمعت قسرا. ويمنع تعديل مكين المعاملة القاسية وغير الانسانية والمهينة للمعتقلين الذين تحتجزهم الولاياتالمتحدة وينص علي أن تجري التحقيقات وفقا للوائح الجيش لكن البيت الأبيض يريد حماية أكبر من المحاكمة ومارس ديك تشيني نائب الرئيس ضغوطا لاستثناء وكالة المخابرات المركزية من الإجراءات. وقال تشيني في حديث لشبكة ايه بي. سي نيوز التليفزيونية إنه يوجد قانون حظر المعاملة غير الانسانية للسجناء ولكنه انتقد ما اعتبره تراجعا في التزام البعض "بعمل ما يلزم" للدفاع عن البلاد، وأضاف "أحد الأمور التي تشعرني بالقلق اننا كلما ابتعدنا عن 11 سبتمبر ولم تقع هجمات أخري علي الولاياتالمتحدة قل الاهتمام بفعل ما هو ضروري لحماية البلاد. هذا هو موقف الادارة الأمريكية الذي يندي له جبين تمثال الحرية خجلا بعد مرور أكثر من أربعة أعوام علي هجمات سبتمبر خاضت فيها الإدارة الأمريكية حربين وقلت مئات الالوف وفشلت حتي الآن في فهم أسباب الارهاب وعلاجها ولم تحقق انجازات إلا علي مستوي تقويض الحريات والقصف بالمقاتلات باسم الحرية والديمقراطية هذا طبعا إلي جانب عدم الكف عن مطالبة الدول النامية باحترام الحريات وتصحيح سجلات حقوق الانسان في تصريحات يدلي بها المسئولون الأمريكيون وخلفه صورة التمثال البائس.