مشاكل عديدة تحاصر الصناعات الغذائية وتعوق تنميتها.. وتنشيط صادراتها. وليس سراً أن في مقدمة هذه المشاكل.. المشاكل مع البنوك. فتكاليف التمويل باهظة الي جانب مشكلة التعثر التي يسعي رجال هذه الصناعة إلي الوصول كل لها مع البنوك. يضاف إلي لحل هذا وذاك مشاكل أخري بالجملة تتعلق بالمعوقات الجمركية والضريبية والتسويق إلي آخر ذلك. و"العالم اليوم" في هذا التحقيق السريع تحاول رصد أهم هموم الصناعات الغذائية كما يراها أصحابها، والحلول المقترحة ومن وجهات نظرهم لكل هذه المشاكل. في البداية يرصد حسين الشيخ مستثمر وخبير الصناعات الغذائية أهم المشاكل التي تواجه الصناعات الغذائية فيقول انها تتمثل في ارتفاع تكاليف التمويل، والضمانات المغالي فيها من البنوك إلي جانب عدم الوقوف بجوار العميل الجاد وتعويمه، لأنه قد يتعرض لأحداث او تغيرات خارجة عن ارادته. كل هذه أمور يجب ان تراعيها البنوك مع العميل الجاد الذي يملك أصولا قادرة علي السداد. لكن للأسف والكلام لحسين الشيخ الذي يحدث غير ذلك.. فالدكتور فاروق العقدة محافظ البنك المركزي قرر منذ فترة البدء في حل مشكلات المتعثرين الجادين، لكن رؤساء البنوك لهم رأي آخر، فمازالوا يضعون العراقيل أمام العملاء المتعثرين!! التسوية الكبري الوحيدة التي تمت في تاريخ البنوك المصرية كانت تسوية مجموعة أحمد بهجت مع البنوك وبعد التسوية - والكلام مازال لحسين الشيخ - دخلت البنوك شريكاً في المجموعة بقيمة المديونية، لماذا لا يتم عمل نفس الأمر مع حالات مماثلة في مجال الصناعات الغذائية! ولماذا الكيل بمكيالين؟!! * هناك عملاء كثيرون يملكون أصولاًَ تجعلهم قادرين علي السداد لكن البنوك ترفض عمل تسويات معهم لا أدري لماذا؟! ** ويشير الشيخ إلي أن مجلس الشعب أقر مؤخرا تعديل المادة 133 لعام 2003 من قانون البنوك لتسمح بمزيد من فرص التسوية والتصالح بين البنوك وعملائها الذين صدرت ضدهم أحكام بالسجن، فلماذا لا يتم تفعيل هذه المادة من جانب البنوك تجاه متعثري الصناعات الغذائية الذين يعملون بربع طاقاتهم الانتاجية. فالدراسات تشير إلي أن مصانع الحلوي الجافة النسبة المئوية للطاقة غير المستغلة فيها تتجاوز ال 68% ونفس الأمر مع مصانع منتجات الألبان والخضر المجمدة والمجففة والمربات واللحوم ومصنوعاتها. كل هذه المصانع تعمل بربع أو نصف طاقتها بسبب مشاكل التمويل. ان الثقة لن توجد بين المستثمرين والبنوك إلا اذا ابتعدت البنوك تماما عن اللجوء للاجراءات الجنائية وتجريم المتعثرين. ان استخدام الشيك سيف مصلت علي رقبة المستثمرين في مجال الصناعات الغذائية لن يفيد البنوك، ولن يمكنها من استرداد أموالها، بل علي العكس سيؤدي - كما يقول حسين الشيخ - لتعويق الاستثمار وغلق الكثير من منشآت الصناعات الغذائية وهروب العملاء المتعثرين للخارج! وهناك مشاكل أخري كثيرة يرصدها رجل الأعمال هشام عبد العزيز وتحول دون النهوض بالصناعات الغذائية وتنشيط صادراتها من أهمها: المعوقات التشريعية وكثرة الاعباء التي يتحملها منتج الصناعات الغذائية، والمعوقات التي تضعها وزارة المالية وكان آخرها قانون تعديل بعض أحكام ضريبة المبيعات الذي سمح لكل قطاعات الصناعات المصرية بخصم ضريبة المبيعات علي الآلات والمعدات الخاصة بها فيما عدا الصناعات الغذائية!! رغم ان قطاع الصناعات الغذائية يعد قطاعا حيويا بالنسبة للمستهلك المصري وبالنسبة لحركة التجارة الخارجية. كما أن قانون الغش التجاري يساوي في العقوبة بين منتج السلع الفاسدة وبين مرتكب مخالفة المواصفات القياسية كما لا يفرق بشكل دقيق بين عوالم الجودة ومعايير الصحة والسلامة!! أيضا مازالت هناك مشكلة مهمة تقف حائلا دون النهوض بصادرات الصناعات الغذائية التي بها مكون محلي كبير وهي تتمثل في انخفاض سعر الدولار. ويضيف عبد العزيز قائلا ان المستفيد الحقيقي من انخفاض سعر الدولار هو كل من يبيع منتجات غذائية لها نسبة كبيرة من المكون الأجنبي، مشيرا إلي أن استمرار ارتفاع قيمة الجنيه أمام الدولار سيؤثر بالسلب علي الاستثمارات الاجنبية، لأنه سيؤدي لزيادة تكلفة هذه الاستثمارات في مصر. ويعترض د.بكري عطية عميد كلية العلوم المالية والمصرفية السابق بشدة علي قانون تعديل ضريبة المبيعات الذي يسمح بخصم ضريبة المبيعات علي الآلات والمعدات علي كل قطاعات الصناعة المصرية فيما عدا الصناعات الغذائية، وقال ان هذا المشروع معيب لأنه يفرق بشكل غير مبرر بين الصناعات الغذائية وبقية الصناعات، إلي جانب ذلك هناك معوقات ضريبية أخري تتمثل في ارتفاع الضرائب والرسوم الخاصة بالمحليات والسجل الصناعي وارتفاع ضرائب الدمغة والضرائب العامة علي الدخل. كما أن هناك معوقات جمركية عديدة تتمثل في ارتفاع الرسوم الجمركية علي المعدات وقطع الغيار المستوردة من الخارج وارتفاعها أيضا علي المدخلات ومستلزمات الانتاج. ومازال المصدرون يعانون من تأخير رد الرسوم الجمركية بنظام الدورباك ويعانون أيضا من ارتفاع الرسوم الجمركية وضريبة المبيعات علي عبوات تغليف المواد الغذائية، وهو ما يؤدي لرفع تكلفة المنتج النهائي ويجعل قيمة الغلاف أكبر من قيمة المنتج. بالاضافة إلي كل ذلك مازال التقدير الجزافي للضرائب العامة واسلوب التعامل المتبع يمثل مشكلة كبري للمستثمرين وأصحاب الشركات.. فمصلحة الضرائب مازالت لا تثق في البيانات المقدمة وبالتالي تقوم مأموريات الضرائب بزيادة الحصيلة المقدرة من خلال عمليات التقدير الجزافي. أما بالنسبة لقانون الضرائب الجديد فيري د.بكري عطية ان القانون قد أضر كثيرا برجال الصناعات الغذائية والصناعة بوجه عام، لأنه لم يمنح اعفاءات ضريبية جديدة للمشروعات التي ستقام في المدن الجديدة، بحجة ان الاعفاءات الضريبية التي تم منحها للمشروعات والمستثمرين قد فشلت في تحقيق أهدافها!! وأنها قد كلفت الدولة مليارات الجنيهات. ويشير عطية إلي ان أزمة الاستثمار التي تعيشها مصر تفرض أهمية عدم الغاء الاعفاءات الضريبية التي يتم منحها للمشروعات والمستثمرين خصوصا وان دولا عديدة في منطقتنا مازالت تقدم المزيد من هذه الاعفاءات لتعظيم نصيبها من الاستثمارات الأجنبية في جميع المجالات ومنها بالطبع مجال الصناعات الغذائية. ويقول د.بكري عطية أن الصناعات الغذائية لم تنل القدر الكافي من الرعاية في التعريفة الجمركية الأخيرة رغم أهمية هذه الصناعة لمحدودي الدخل مؤكدا علي ضرورة رصد التشوهات الجمركية وتقديمها إلي الجهات المعنية ليتم وضع المنتج المحلي في دائرة تنافسية متكافئة وعادلة مع نظيره المستوردة من الخارج. ان ازالة المعوقات الضريبية وتذليل جميع العقبات المالية والجمركية، سيشجع بكل تأكيد علي امكانية نمو وتطوير الصناعات المحلية وامكانية تدفق استثمارات جديدة إليها حيث يمكن في هذه الحالة منافسة الصناعات الغذائية علي المستوي العربي والأجنبي. ويرصد تقرير حديث صادر عن وزارة التجارة الخارجية والصناعة أهم المشكلات التي تواجه تنمية صادرات الصناعات الغذائية والصادرات، فيشير إلي أن في مقدمتها المشاكل الإدارية الناجمة عن تعدد الجهات المختصة بفحص الصادرات والواردات وكثرة التشريعات والقوانين بالاضافة للمشاكل الانتاجية والفنية الناجمة عن فحص ورقابة السلع المستوردة والمصدرة. يضاف إلي كل هذا وذلك مشاكل الترويج والتسويق أما مشاكل التمويل فقد أشار التقرير إلي أن القطاعات الانتاجية المختلفة ومنها قطاع الصناعات الغذائية تعاني من ارتفاع تكاليف التمويل، اذا تزيد حدة المشكلة بالنسبة للقطاعات التصديرية التي تتنافس مع شركات خارجية تتمتع بتكاليف وخدمات تمويلية غير متوافرة للمنتج المحلي بنفس القدر والكفاءة. ويقول حسني العيوطي ان وزارة التجارة الخارجية والصناعة تتبني تنفيذ عدة أطر من شأنها خفض تكاليف التمويل علي المصدرين وأهمها البرامج التي ينفذها صندوق تنمية الصادرات. إلي جانب ذلك وقعت الوزارة في ابريل 2004 مع البنك الأهلي المصري بروتوكول تعاون يهدف إلي دعم وتنمية الصادرات، حيث سيقدم البنك الأهلي اطراً لتقديم التمويل المناسب لصغار المصدرين في الصناعات الغذائية وغيرها من خلال آليات تعمل علي تغطية جزء من المخاطر وذلك بالتنسيق مع وزارة التجارة الخارجية والصناعة. وفيا يخص المؤسسات التمويلية التي تشرف عليها وزارة التجارة الخارجية والصناعة، فقد قام البنك المصري لتنمية الصادرات بتنفيذ عدد من الاجراءات التي من شأنها رفع كفاءة الأداء في مجال التصدير كالقيام بتمويل أكثر من 36 مشروعاً لها علاقة بالتصدير في قطاعات الصناعات الغذائية.