هناك فرق بين ثقافة المولد وثقافة الاحتفال. في المولد الغي عقلك وسيب جسمك لاهتزازات الذكر الصوفية بلا حسيب ولا رقيب.. في المولد أنابيب بوتاجاز صغيرة وشاي علي لهب السبرتو وخيام متجاورة بلا نظام وتناقضات لا حدود لها، والكل غرقان في زحام.. بلا ضابط.. ولا رابط.. ولا منطق. في المولد "اللي تكسب به إلعب به"، علي جسمها تنور، أو حلقة ذكر أو صوفي ورع، أو دجال بلا رحمة، لا هم له سوي خروج النقود من جيبك. وللمولد أيضاً ضحايا، براد شاي أسود يسقط سهوا ليسود الحريق ملتهماً ما في طريقه، أو خناقة تنتهي برقبة زجاجة مغروسة في بطن أحدهم، أو حتي سكتة قلبية لا تجد من يسعفها في الوقت المناسب. هي صورة تقليدية قد يكون بها بعض المبالغة أو قد يكون شكلها فلكلوري، ولكنها مازالت تحدث رغم اختلاف المستويات والأشكال والأشخاص. في صدر صحيفة الأهرام أمس قصة عن أم شابة ماتت صعقاً بسلك كهربائي مكشوف في حفلة موسيقية بإحدي قري الساحل الشمالي. أم لطفلين راحت بسبب ثقافة المولد، اختلف الزمان والمكان والأشخاص ولكن هو هو المولد.. العقل غائب ولا هم سوي الربح حتي لو كان الثمن حياة أم شابة وتيتم طفلين صغيرين. السؤال الآن هل نستطيع التخلص من ثقافة المولد هل نعلم أن هناك نظاما للتجمعات، اتفق عليه العالم، يقتضي اتخاذ كل الاحتياطيات اللازمة من أجل الحفاظ علي حياة الناس. هل هناك من يتوقع مخاطر الحريق، أو الماس الكهربائي أو اختناق الناس نتيجة التدافع أم أن المهم فتح عينك تاكل ملبن.. والفلوس هتخرج.. هتخرج من الجيوب.. مسئولية من مقتل أم شابة وتيتم طفلين.. أصبحا محرومين من أمهما، هل هي مسئولية الكهربائي المهمل الذي ترك سلكاً كهربائياً مكشوفا ليوفر جنيها أو اثنين ثمن تغليف هذا السلك، لتصبح الحياة ذاتها لا تساوي هذا الثمن الزهيد، أم مسئولية المقاول الذي لم يتابع عمل الكهربائي، أم مسئولية منظم الحفلة الذي يتصرف بعقلية المولد أم مسئولية القرية الساحلية "النموذجية" أم هو غياب النظام العام. مسئولية من عدم وجود سيارة إسعاف وسط هذا التجمع وسيارة حريق وسيارة شرطة، كما يقتضي العقل والمنطق. مسئولية من عدم وجود طبيب أو حتي أدوات إسعاف بسيطة تنقذ نفساً بشرية من حادثة طريق أو مشكلة سلك عريان. هذه القرية السياحية تضم نخبة من ناس مصر، وزراء، سفراء، رجال أعمال، دبلوماسيين ولكن تبدو أنه لا الثقافة ولا المكانة الاجتماعية ولا المستوي المادي المرتفع ولا الدرجة الوظيفية استطاعت أن تتخلص من عقلية المولد ولم تمنع وقوع ضحايا. إننا مقبلون خلال الأيام القادمة علي متغيرات كثيرة وتجربة نخوضها لأول مرة.. ونتطلع أن تكون هذه التجربة هي طريقنا إلي المستقبل، فهل نستطيع أن نتخلص في تفكيرنا من ثقافة المولد والانتقال إلي ثقافة الاحتفال وأن يرتفع ثمن الإنسان العادي البسيط؟. سؤال مازال في حاجة إلي إجابة..