بالرغم من انتهاء تشريع قانون الضرائب الجديد إلا أن بعض مواده مازالت مثارا للخلاف من أبرز هذه المواد المادة 56 والتي قدمت اعفاء لفوائد القروض الأجنبية من الضريبة المستحقة علي فوائد القروض محليا - 20% - وقدمت هذه الميزة لأول مرة للقطاع الخاص وقطاع الأعمال العام علي عكس القانون القديم الذي قصرها علي الحكومة.. واختلف الخبراء حول هذا الاعفاء وهل سيشجع علي التوسع في اقتراض القطاع الخاص من الخارج دون أية ضوابط وهو ما يرفع الطلب المحلي علي العملات الأجنبية في حال تعثر المقترضين؟ أم أنه سيشجع علي دخول التمويل الأجنبي كاستثمار تنموي؟ أما الشق الثاني من المادة فقد أثار تخوفا علي الخزانة العامة أيضا نظرا لأنه أعفي خدمات التصميمات الصناعية الأجنبية من الضريبة المستحقة علي مثيلتها الوطنية وهو وإن كان في ظاهره بمثابة تشجيع للصناعة الوطنية إلا أن الخبراء حذروا من أنه يشجع استيراد سر الصنعة دون الاعتماد ذاتيا علي تصميمها. ازدادت حدة الانتقادات تجاه التفرقة بين القطاع العام والقطاع الخاص في اعفاء فوائد القروض الأجنبية منذ خمسة أعوام وقت اشتداد أزمة السيولة وارتفاع سعر الفائدة علي القروض وهو ما دفع مجتمع الأعمال للدعوة لتطبيق هذا الاعفاء الذي يفتح الباب للاستعانة بالقروض الأجنبية ويستند مجتمع الأعمال في مطالبه علي وجود اعفاء لفوائد القروض في قانون الضرائب لسنة 81 - المعدل بقانون سنة 93 - إلا أن هذا الاعفاء جاء مقتصرا علي الحكومة والقطاع العام. وفسر الخبراء ذلك بأنه كان بغرض تشجيع القطاع العام في بداية الثمانينيات والتي كانت مهمة التنمية تقع علي عاتقه بشكل كبير بينما كان القطاع الخاص في طور التكوين وهو ما يجعل تطبيق هذا الاعفاء عشرين عاما مناسبا لظروف القطاع الخاص الذي أصبح يقوم بالمسئولية الأكبر في عملية التنمية خاصة أنه - القطاع الخاص - مازال يشكو من مزاحمة القطاع العام له في الحصول علي التمويل المحلي لمشروعاته إلا أن تعديل هذه كما جاء في القانون الجديد انتقده الخبراء فكما يقول د.أسامة عبدالخالق استشاري منظمة العمل العربية الاعفاء جاء بدون أية ضوابط وهو ما يفتح الباب للاشخاص الاعتبارية لأي غرض غير الاستثمار وهو ما يجعل القروض الداخلة لمصر بمثابة ديون جديدة تتراكم فوائدها علي الاقتصاد القومي وتتمثل خطورتها كما يضيف عبدالخالق في كونها تسدد بالعملة الأجنبية وإن كانت قد ارتفعت في السنوات الأخيرة إلا أنها لاتصلح إلا لتغطية أعمال الاستيراد وهو ما قد يهدد استقرار سعر الصرف خاصة وأن ميزان العملات الأجنبية مازال في غير صالح مصر. ويلفت د.أسامة إلي أن الفارق في تكلفة فوائد القروض المحلية التي لم تعف من الضريبة وفوائد الأجنبية - 20% - هي نسبة كفيلة بجذب نسبة كبيرة من مجتمع الأعمال لترك السيولة المحلية والتوجه للاقتراض من الخارج. نسبة محدودة ويختلف مع الرأي السابق الخبير المصرفي د.نبيل حشاد حيث ينبه إلي أن اعفاء فائدة القرض الأجنبي في مصر يجعل هذه الفائدة تخضع لضريبة في بلادها وهو ما قد يقلل من هامش ربح البنك في هذه النوعية من القروض ويدفعه لرفع الفائدة وبذلك تتقارب تكلفة القرض الأجنبي من المحلي - كما يلفت إلي أن الرأي السابق افترض سوء النية في المقترض ولم يلتفت إلي شروط المقرض فالبنوك الأجنبية لا تعطي المقترض قرضا إلا إذا ضمنت أن يكون هذا القرض في مشروع استثماري ناجح اضافة إلي أن رجل الأعمال في مصر - حسب رأيه - مقترض ناجح بالرغم من حالات التعثر التي شهدناها في السنوات الأخيرة ويدلل علي ذلك بأن الاحصائيات الدولية تشير إلي 131 دولة تواجه مثل مصر حالات تعثر منذ عام 95 لظروف اقتصادية مختلفة اضافة إلي أن نسبة كبيرة من حالات التعثر في مصر تعود إلي مشكلة الركود الاقتصادي وليست لسوء النية. ويري د.حشاد إلي أن اتجاه القطاع الخاص في مصر بشكل عام للاقتراض من دول أجنبية محدودة للغاية نظرا لشروط البنوك الأجنبية الصارمة والتي لا ينجح في تطبيقها إلا نسبة محدودة من كبار رجال الأعمال لذا فهو يؤكد أن الحديث عن تخوف من التوسع في الاقتراض من الخارج بمثابة تهويل لمشكلة صغيرة. سعر الفائدة وتتفق احصائيات البنك المركزي عن نهاية يونيو 2004 مع الرأي الأخير إذ تنحصر نسبة مديونية القطاع الخاص من إجمالي المديونية الخارجية ب7.5% - 7.1 مليار دولار. إلا أن بعض الخبراء حذروا من انخفاض سعر الفائدة في الدول التي تسوق قروضها في مصر.. فعلي سبيل المثال يصل سعر الفائدة في دولة كالولايات المتحدة - ثاني أكبر دائن لمصر - إلي 3% في المتوسط كما يقول عادل حسين مدير المركز الدولي لاستشارات البنوك وهي نسبة منخفضة جدا بالنسبة لمتوسط سعر الفائدة في مصر 12% والسبب في ذلك هو إن الكيانات الكبري تواجه دائما فائضا في سيولتها وهو ما يدفعها للترويج لقروضها خارج بلادها.. كما ينبه إلي أن سوق صرف العملات الأجنبية يواجه تقلبات حادة في أسعاره وهو ما قد يرفع التكلفة بحدة علي المقترض المصري ويعرضه للتعثر إذا لم يكن له نشاط يدر عليه عملة أجنبية كالتصدير أو الاستثمار في الخارج. ويختلف مع حشاد في هذا الصدد ممدوح أبو علم المدير العام التنفيذي السابق لبنك مصر أمريكا إذ ينبه إلي أن أغلب القروض الأجنبية الموجهة لمصر ترتبط بالمشروعات الكبري والتوسع في هذه القروض يحتاج إلي معدلات متسارعة من التنمية في مجال البنية الاساسية وهي - في مصر - أبطأ من أن تشجع علي التوسع في الاقتراض من الخارج. ويرتبط الشق الثاني من هذه المادة بما سماه القانون بمقابل تصميم أو حق المعرفة لخدمة الصناعة وهو المعروف بحق سر الصنعة والذي نص القانون علي خضوع المبالغ المدفوعة فيه للضريبة "20%" عدد المبالغ المدفوعة للخارج لاستيراد هذه الخدمة. ويري الخبير المحاسبي عامر سيف أن هذا الشق يمثل انحيازا للخزانة الأجنبية فالمادة في ظاهرها تعفي الصناعة من ضريبة هذه الخدمة إلا أن الواقع أن الدولة الأجنبية ستفرض ضريبة مماثلة علي هذه الخدمة عندما تعلم أنها اعفيت في مصر وهو ماسيجعل التكلفة النهائية للخدمة نفس تكلفة ما قبل الاعفاء ولا يخسر في هذا الشأن إلا الخزانة المصرية التي فقدت حق تحصيل هذه الضريبة. سر الصنعة ويختلف معه محمد جنيدي الرئيس السابق لغرفة الصناعات الهندسية إذ يري أن خطورة هذا الشق من المادة يكمن في تخفيض تكلفة استيراد "سر الصنعة" نظرا إلي أن الضريبة قد تنخفض في الدول المتقدمة التي نستورد منها سر الصنعة عنها في مصر مما يخفض من تكلفة الاستيراد ويضعف الحافز علي العمل علي تصنيعها محليا. وينتقد جنيدي الآراء التي تقول إن الاعتماد ذاتيا علي تصميم سر الصنعة طموحا مستحيلا وأن فائدة هذا الاعفاء هو التشجيع علي الحصول علي توكيلات تصنيع المنتجات العالمية وتحقيق التنمية من خلال تصديرها وبيعها محليا.. إذ يؤكد علي أن العديد من تجارب تصنيع الصناعات الهندسية المعقدة نجحت في مصر وأصبحت تصدر الآن إلي دول أوروبية عدة وعلي رأسها دول صناعية كبري مثل ألمانيا اضافة إلي أن استيراد "سر الصنعة" له اثاره السلبية علي السوق المحلي نظرا إلي أنه يتسبب في رفع الأسعار بنسب تصل إلي 40% لفرض المصدر الأجنبي علي المصنع المصري استيراد مدخلات إنتاج محددة دون الاعتماد علي البديل الأرخص. ويعتبر جنيدي أن الصناعة المحلية "مظلومة" حتي في ظل تساوي تكلفة سر الصنعة المستورد قبل وبعد الاعفاء فالمصانع التي تعتمد علي نفسها ذاتيا في تصميم سر الصنعة تظل في المتوسط في بعض الصناعات المعقدة كالصناعات الهندسية لا تحقق أرباحا لأكثر من 5 سنوات وتحتاج إلي مميزت اضافية في هذا القانون. ويوجه الخبير المحاسبي هاني الحسيني انتقادا آخر لهذا الشق من المادة وهو عدم تحديدها لنوعية هذه الخدمات الصناعية إذ اكتفي بالقول إن وزير المالية يحدد بالاتفاق مع الوزير المختص بالصناعة الحالات التي تكون فيها حقوق المعرفة خدمة الصناعة بالرغم من أنها محددة بالفعل في قانون حقوق الملكية الفكرية كما يضيف الحسيني ويشدد علي ضرورة الاسراع باصدار قرار وزاري يحددها حتي لا يفتح الباب لحالات متعددة للتهرب الضريبي.