البيان الختامي الذي صدر عن أول قمة عربية أمريكية لاتينية في البرازيل في الأسبوع الماضي يعد أبعد أثراً وأقوي مفعولاً وتأثيراً في الدفاع عن القضايا العربية والهجوم علي السياسات المهيمنة والسيطرة والغزو من أي بيان عربي مشترك صدر خلال الأعوام الماضية. ولعل ذلك كان وراء التحليلات والتفسيرات التي ذهبت إلي أن كثيراً من الأنظمة العربية الراهنة لم تكن متحمسة بشكل كاف لانعقاد المؤتمر، وأن مستوي التمثيل العربي مثلما لاحظ عمرو موسي الأمين العام للجامعة العربية كان ضعيفاً، بل والقول بأن الولاياتالمتحدة ضغطت علي بعض الأنظمة العربية لمقاطعة المؤتمر، أو علي الأقل الحضور بمستوي تمثيلي ضعيف. وهذا ما حدث بالفعل فلم يشارك في القمة سوي 14 دولة عربية كما أن مستوي التمثيل كان ضعيفاً ولم يحضر من الرؤساء سوي الرئيس الجزائري بوتفليقة والرئيس العراقي طالباني والرئيس الفلسطيني أبو مازن ورئيس وزراء لبنان ثم وزراء خارجية الدول الأخري، في حين حضر معظم الرؤساء البارزين في دول أمريكا اللاتينية. والبيان الختامي القوي الذي صدر عن القمة يطالب بسرعة انسحاب القوات الأمريكية من العراق، ويؤكد احترام وحدة وسيادة العراق واستقلاله واحترام اختيارات الشعب العراقي كما يدين العمليات الإرهابية التي تستهدف المدنيين. والبيان يؤكد ضرورة تحقيق سلام عادل وشامل ودائم للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي وفقاً لقرارات الأممالمتحدة وانسحاب القوات الإسرائيلية من كل الأراضي التي احتلتها، وإقامة الدولة الفلسطينية الديمقراطية المستقلة علي أساس الحدود المعترف بها سنة 1967 مع إزالة جميع المستوطنات. والبيان يطالب بحل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من كل أسلحة الدمار الشامل وتطبيق ذلك علي جميع الدول بما في ذلك إسرائيل والبيان يتحدث أيضاً عن ضرورة التعاون بين الدول العربية واللاتينية من خلال دعم العلاقات بين الجنوب والجنوب تجارياً واقتصادياً وسياسياً لكسر سياسات الهيمنة الاقتصادية المفروضة. نحن والأمر كذلك أمام مؤتمر لاتيني عربي مشترك يعقد لأول مرة في البرازيل أكبر دولة في أمريكا اللاتينية (180 مليوناً) وتاسع اقتصاد عالمي، ولا يمكن أن ننسي الدور الذي لعبته البرازيل ورئيسها سلفيادي لولا، ذلك الرئيس اليساري المنتخب منذ ثلاث سنوات والذي بذل جهداً خاصاً وقام بزيارات مكوكية واسعة للدول العربية ومصر، يمهد ويناقش ويضع الأسس لعقد هذا المؤتمر. لذلك استحقت البرازيل ورئيسها نقمة وسخط الولاياتالمتحدة، وهاجمت كثير من الصحف وقنوات التليفزيون الأمريكية الدور الذي تحاول أن تلعبه البرازيل ليس فقط علي النطاق الإقليمي في أمريكا اللاتينية بل وعلي النطاق العالمي وفي اتجاه معاكس للسياسات والمصالح الأمريكية. وتوقفت أجهزة الإعلام الأمريكية أمام قرارات المؤتمر الأخير العربي اللاتيني الذي يعقد في الفناء الخلفي للولايات المتحدة خاصة رفض الطلب الذي تقدمت به الولاياتالمتحدة لحضور المؤتمر بصفة مراقب بناءً علي اقتراح البرازيل، وسبق ذلك أيضاً رفض اثنين من المرشحين لمنصب سكرتير عام منظمة الدول الأمريكية كانت تساندهما الولاياتالمتحدة، وانسحاب سكرتير عام للمنظمة ليس صديقاً لواشنطن لأول مرة في تاريخها وهو وزير داخلية تشيللي، ذلك الاشتراكي اليساري الذي كان أحد ضحايا الانقلاب الأمريكي الدموي في تشيللي سنة 1973 والذي أطاح بالرئيس المنتخب سلفادور الليندي ونحب الدكتاتور الدموي الجنرال بونيشيه. وتحت عنوان رقصة السامبا البرازيلية الخطرة هاجمت النيوزيك البرازيل التي تفتح أبوابها للاجئين السياسيين والمعادين للولايات المتحدة، ويعقد علي أرضها مؤتمر لاتيني عربي تمنع أمريكا من حضوره كمراقب، وهي في نفس الوقت تسعي للحصول علي مقعد دائم في مجلس الأمن، وتطمح أن تصبح قوة دولية وليس فقط قوة إقليمية، بل إن البرازيل كانت تطمح أن يأتي بابا روما الجديد من كنيستها. وفي لهجة تحذير واضحة تقول المجلة الأمريكية إن البرازيل هي أكبر دولة في أمريكا اللاتينية وهذه ميزة ولاشك، ولكن الطموح البرازيلي الزائد علي الحد له مضار كثيرة. وقد أبدي الكثير من المهتمين بالتطورات الدولية المعاصرة بعض الحيرة في محاولة فهم ما يجري في أمريكا اللاتينية بعد أن أصبح اليسار يسيطر ويحكم في أكثر الدول والتي تمثل 75% من السكان، وأن هذا اليسار الجيفاري وصل إلي السلطة بأشكال ديمقراطية وليس من خلال ثورات أو انقلابات ثورية في البرازيل والأرجنتين والاكوادور وفنزويلا وتشيللي وأورجواي إضافة بالطبع إلي الجزيرة المتمردة كوبا وزعمها فيدل كاسترو.