إرهاب الأغلبية أدهشني رئيس مجلس الشعب الدكتور سعد الكتاتني بالطريقة التي أدار بها الجلسة التي ناقشت قانون العزل السياسي، تخلي الدكتور الكتاتني عن الحياد الذي يمليه عليه الموقع الرفيع الذي يتقلده، وشمر عن ساعديه وهو يتقمص شخصية «كمال الشاذلي» الذي كان النظام السابق قد صرفه لتأديب المعارضين، وإرهابهم، والغلوشة علي ما يقولون داخل البرلمان وخارجه، وتأويل كلامهم علي عكس ما يقولون، لإبعاد الأنظار عن النقد الذي يوجهونه للحزب الحاكم، وممارساته الفاسدة وغير الديمقراطية، والمتجاوزة للقانون والدستور. تبدل وجه الدكتور الكتاتني بين الابتسام والتجهم، وهو ينتقل من مؤيد لمشروع القانون قبل إصداره إلي معارض له، فيتسع صدره، وتبرز سماحته مع المؤيدين للمشروع فيتجاوزون الوقت المتاح بسخاء، في نفس الوقت الذي يضيق فيه صدره، ويتذمر مع المعارضين له، بطريقة اتسمت بارتفاع الصوت بشكل تهديدي وابتزازي، وهو يقول لأحدهم: بتعترض علي القانون.. قول بقي إنك بتأيد الفلول! ومع أن الدكتور الكتاتني والمؤيدين لقانون العزل السياسي، يرجعون حماسهم لصدوره، إلي أنهم يرفضون إعادة إنتاج النظام السابق إذا ما تم السماح للواء «عمر سليمان» بالترشح للرئاسة، فإن إدارة مجلس الشعب بهذه الطريقة التي يتم فيها إرهاب المعارضين، لا تقل «إبداعا» عن إدارتها في العهد السابق، بل تتفوق عليها هذه المرة، وهي ترتدي عمامة الوعظ والتحدث باسم الدين! وبهذه الطريقة الإرهابية المنافية لكل القواعد الديمقراطية تم تفصيل قانون العزل السياسي وتمريره بالأغلبية الإسلامية في البرلمان، تماما كما كان يفعل الحزب الحاكم السابق بأغلبيته المصنوعة، مع أن المعارضين له من النواب حذروا مما يمكن أن يعرفه طالب في أولي حقوق، من أن شخصنة القوانين، وتطبيقها بأثر رجعي هي من الأمور التي يحظرها الفقه الدستوري، وأن الطعن بعدم دستورية هذا القانون أمر لا شك فيه. لم يتوقف إرهاب الأغلبية الإسلامية عند حد إصدار قانون مفصل لا شرعية دستورية له، بل توالت تصريحات قادة هذا التيار بتهديد المجلس العسكري إذا لم يصدق عليه، وإنذاره «بالكفاح المسلح» إذا ما أحاله إلي المحكمة الدستورية. لم يكتف هذا التيار بتفصيل قوانين لإزاحة منافسيه من سباق الرئاسة، بل استمرأ قادته العدوان علي القانون والتحايل عليه، فبرغم أن حازم أبو إسماعيل وخيرت الشاطر كلاهما يعلم أن أوراق تقدمهما للترشح للرئاسة منافية للشروط التي حددها الإعلان الدستوري، إذ أن والدة الأول أمريكية كما ثبت بأدلة قاطعة للجنة العليا للانتخابات، وأن الثاني لم يحصل علي حكم قضائي برد اعتباره، فقد أقدما علي الترشح مع ذلك، وحين استبعدتهما اللجنة العليا للانتخابات من قائمة المرشحين بأسباب قانونية واضحة، توالت تهديداتهما هما وأنصارهما بإعلان الحرب إذا لم يعد إدراجهما مرة أخري إلي قائمة المرشحين. لم يعد هناك شك أن تيار الإسلام السياسي لا يأبه «بدولة القانون» ويتعمد العصف بهيبة الدولة الهشة والمجروحة، ألم يحدد القانون سقفا ماليا هو عشرة ملايين جنيه للإنفاق علي حملة كل مرشح للرئاسة؟ لقد تجاوزت حملة «صلاح أبوإسماعيل» مبلغ مائة مليون جنيه حتي الآن مع أن الحملة الرسمية تبدأ نهاية الشهر الحالي، أليس ذلك اعتداء صارخا علي القانون؟ أليس محاصرة مناصريه لمقار المحاكم وعرقلة عمل القضاة، اعتداء صارخا علي القانون؟ والسؤال الذي يطرح نفسه، إذا كان هذا الإرهاب المتدثر باسم الدين يمارس الآن من رموز التيار الإسلامي قبل أن يصعدوا إلي قمة الرئاسة، فماذا يا تري هم فاعلون إذا نجح هذا التيار الديني المتطرف في الوصول إليها؟