المساعدات الأمريكية.. وإسرائيل أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية «هيلاري كلينتون» يوم الجمعة الماضي، رفع القيود المفروضة علي استمرار المساعدات العسكرية «والاقتصادية» لمصر والبالغة عام 2012 ما قيمته 3.1 مليار دولار مساعدات عسكرية و250 مليون دولار معونة اقتصادية، وأبلغت الخارجية الأمريكية اللجنة الفرعية للاعتمادات بمجلس الشيوخ الأمريكي أن هذا القرار اتخذ «لدواع خاصة بمصالح الأمن القومي» ولأن الإدارة المصرية الحالية «ملتزمة باتفاقية السلام الموقعة مع إسرائيل مما يستلزم تقديم يد المساعدة لها في تلك المرحلة الدقيقة». وقد بدأت هذه المساعدات الاقتصادية والعسكرية لكل من مصر وإسرائيل عقب التوقيع علي اتفاقيتي كامب ديفيد عام 1978 ثم معاهدة الصلح بين السادات وبيجن في مارس 1979، وحددت الولاياتالمتحدة أهدافها في هذه المرحلة في.. تحقيق السلام «التسوية السياسية» والاستقرار الإقليمي وقبول العرب لإسرائيل كدولة إقليمية كبري في المنطقة والتعاون معها سياسيا واقتصاديا وعسكريا، التصدي للإرهاب بالمفهوم الأمريكي للإرهاب، والإصلاح الاقتصادي. وتم ترجمة هذه الأهداف فيما عرف بالتحالف والحوار الاستراتيجي بين الولاياتالمتحدة ومصر شاملا برامج التسليح والتصنيع العسكري والتعاون والتدريب والمناورات العسكرية المشتركة وأهمها «مناورات النجم الساطع» التي بدأت منذ عام 1994، وقبل ذلك الدور المصري في خدمة الحرب الأمريكية في الخليج عام 1991 ومحاربة «الإرهاب» بما في ذلك اعتبار المقاومة المسلحة ضد الاحتلال إرهابا! وقامت الإدارة المصرية طوال العقود الماضية بالدور الأساسي في تحقيق التسوية السياسية بين العرب وإسرائيل وجذب الدول العربية ومنظمة التحرير الفلسطينية لمنهج كامب ديفيد، وحققت أكبر إنجازاتها في الساحة الفلسطينية بدءا بتوقيع اتفاقية الحكم الذاتي في غزة وأريحا «اتفاق أوسلو» مرورا بقمة شرم الشيخ وصانعي السلام في مارس 1996 وقمة منتجع وايت ريفر عام 1999 وقمة كامب ديفيد عام 2000.. إلخ والتزمت الإدارة المصرية بمواصلة ما سمي بالإصلاح الاقتصادي القائم علي تنفيذ روشتة صندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة التجارة الأمريكية وهيئة المعونة الأمريكية والمعروفة باسم «التثبيت والتكيف الهيكلي» والقائمة علي تخلي الدولة عن دورها في الاستثمار والتنمية وتوفير الخدمات الأساسية، وبيع وتصفية القطاع العام تحت اسم «الخصخصة»، والرهان علي آليات السوق الرأسمالي لتحقيق التنمية وعلي دور القطاع الخاص المحلي والأجنبي في قيادة الاقتصاد الوطني، وهي السياسية التي أدت لتراجع التنمية وارتفاع نسب الفقر والبطالة وانتشار الفساد في مصر. والأخطر في هذه السياسات الأمريكية هو النظر للعلاقات المصرية - الأمريكية «ليس من المنظور الثنائي بين الدولتين بل من منظور علاقة ثلاثية - الولايات المتحدة وإسرائيل ومصر - بكل ما تحمله تلك الكلمة من معني، إذ برزت «إسرائيل» كطرف ثالث، وربما كان هو المحدد الرئيسي لمستوي العلاقة بين الولايات المتحدة ومصر، وأعطي هذا الوضع ثقلا لإسرائيل علي حساب «مصر» الطرف الأضعف في تلك العلاقة الثلاثية». ولم يتجاوز الباحثان «كريستوفر شوميكو» و«جون سبانير» في دراستهما خلال الثمانينيات عندما وضعا «مصر» ضمن فئة الدولة التي تصنف باعتبارها « العميل المسيطر»، أي دولة عميلة تابعة تتمتع في بعض الحالات بحرية في الحركة والتمايز النسبي عن الدولة المسيطرة «الولاياتالمتحدة» في إدارة السياسة الخارجية. وتبدو هذه الحقيقة المؤسفة في أكثر من مجال، فصادرات مصر للولايات المتحدة من المنسوجات والملابس الجاهزة لا يمكن دخولها للسوق الأمريكي والتمتع بالإعفاءات الجمركية إلا إذا كان هناك مكون إسرائيلي فيها بنسبة 7.11% طبقا لبروتوكول المناطق الصناعية المؤهلة «الكويز» الموقع بين مصر والولاياتالمتحدة وإسرائيل في 14 ديسمبر 2004 والسوق الأمريكي يستوعب 40% من حجم الاستهلاك العالمي. وتسليح القوات المسلحة المصرية خاضع لتوازن مفروض من قبل الإدارة الأمريكية، بحيث يضمن تفوق إسرائيل في الأسلحة التقليدية وفوق التقليدية علي الدول العربية مجتمعة بما فيها مصر، إضافة إلي انفرادها بالأسلحة النووية. وهناك خط سري يربط بين القوات المسلحة المصرية والولاياتالمتحدة نتيجة الاعتماد علي التسليح الأمريكي وقطع الغيار والتدريب والمناورات المشتركة مع الولايات المتحدة. وللأسف فهذه الأوضاع السلبية لم تتغير قيد أنملة بعد ثورة 25 يناير فالإدارة المصرية الجديدة ترتبط مصالحها بالولاياتالمتحدة، وما بدا من أزمة في العلاقات فيما عرف بقضية التمويل الأجنبي، سرعان ما تبدد كاشفا عن مدي التبعية للحليف الأمريكي، وما لم تنجح قوي ثورة 25 يناير في تولي السلطة في البلاد، فستسمر أوضاع التبعية والخضوع لمصالح وسياسات «الصديق» الأمريكي و«العدو» الإسرائيلي.