حلمي سالم ما أجملك «لا أعرف بالضبط الزمن الذي تعرفت فيه علي «حلمي سالم»، كل ما أعرفه أنني حين بدأ وعيي في التشكل، وجدت «حلمي سالم» أمامي وحولي في كل مكان، في البيت وفي الجامعة، وفي المظاهرة، وفي الندوة، وفي الحزب وفي النقابة، وفي سرادقات العزاء وفي حفلات الزفاف وفي جلسات الأنس والفرح، وفي الصحيفة التي جمعتنا للعمل سويا علي امتداد نحو ثلاثين عاما، بدت فيها كل خطوة من خطواته قفزة لبعث الأمل، وتوثب لاستعادة الروح. ينتمي حلمي سالم، إلي جيل السبعينيات من القرن الماضي، الذي خرج من رحم هزيمة يونيو، ومظاهرات الطلبة عام 1968 للمطالبة بمحاكمة المسئولين عنها، ونهض في عقد السبعينيات للدفاع عن آخر أحلام ثورة يوليو القومية والوطنية والاجتماعية، ورفع شعارات «كل الحرية للشعب وكل التفاني للوطن، ولمعت من بينه أسماء بينها، أحمد عبد الله وبهاء شعبان وحمدين صباحي وأروي صالح وسهام صبري، برز من بينها «حلمي سالم» شاعرا ومؤسسا لمدرسة «أصوات» الشعرية التي أرست مشروع قصيدة النثر، بهدف تطوير الشعر خطوة أخري، بعد الخطوة التي قام بها جيل المجددين في بداية الخمسينيات من القرن الماضي، وكان بينهم «نازك الملائكة» و«صلاح عبد الصبور» و«أحمد عبد المعطي حجازي» و«علي أحمد باكثير» و«بدر شاكر السياب» و«عبد الوهاب البياتي» و«أدونيس» وغيرهم. يمتلك «حلمي سالم» شخصية آسرة متجردة إلا من الحلم الرومانسي بالعدل والجمال والحرية، ولم يترك شيئا يتحكم في حياته، سوي هيام جنوني بالشعر والكتابة والثقافة، والبحث عن الجدوي والتنقيب عن الجمال حتي في أقبح المناظر وأسوأ البشر والحوادث، فحلمي ينسج علاقاته بالآخرين وكأنه يكتب قصيدة تنطوي علي صور شعرية ملهمة، مفعمة بالحيوية والعذوبة والتسامح، تخاله حين تلقاه وكأنه ينذر حياته لمن يطلبها خدمة لهدف عام أو حتي شخصي. فعل ذلك حين شارك المقاومة الفلسطينية حصارها في بيروت عام 1982 وعمل في صفوفها، ويفعل ذلك مع أي ألم شخصي لإنسان قد لا تربطه به وشائج قوية انطلاقا من رؤية ذاتية عميقة للكون والأشياء تري بوعي وتبصر أن «الإنسان» ينبغي أن يكون أغلي وأعز ما نملك، وأن المحبة أقوي من الضعينة، وأن الوداعة والرقة والموعظة الحسنة لديهم من التأثير ما يمكن أن يصلح الكون ويهذب الحياة ويسقط عوالم فاسدة ويقلل من جشع استغلالها، وهي أفكار سامية في عالم يفتقد إلي براءته انثرها حلمي سالم في جهوده الإبداعية التي تنوعت بين الشعر والعمل النقدي والكتابة الفكرية، كان القاسم المشترك الأعظم فيما بينها هو النزعة الإنسانية التي تنفذ إلي الأعماق وتبشر بالخير والحرية والعدالة والاستنارة والحب، وتنبذ كل ما يميت الروح ويعمل أن يخبو الأمل. ويا صديقي الحبيب حلمي سالم، أود أن أقول أنك أجمل قصائدك.