مثلما عاش حياته في هدوء، مات أيضا في هدوء، إنه الصديق المبدع السكندري علي عوض الله كرار، الذي يعرفه أدباء الإسكندرية متابعا للحركة الأدبية هناك وراصدا لها، ومتبنيا للمواهب الجديدة سواء بالكتابة النقدية عنها أو السعي لنشر إبداعاتها. وهي إحدي ميزات «كرار» طوال العشرين عاما الماضية فقد اهتم بإبداعات الآخرين أكثر من اهتمامه بنشر أعماله القصصية، والتي أري أنها متميزة علي أكثر من مستوي بما تتمتع به من حس فانتازي ساخر يعتمد علي لغة المفارقة الراصدة لواقع اجتماعي مأزوم. عرفته قبل أن أقابله من خلال بعض قصصه التي كان ينشرها في مجلة «الطريق» البيروتية التي يقوم علي تحريرها المناضل اللبناني الكبير محمد دكروب، وعرفته أيضا - من خلال أعماله في النقد السينمائي التي كان ينشرها في المجلات التي كانت تصدر في الإسكندرية مثل «تحديات ثقافية» و«أوراق ثقافية» وغيرها، وتوطدت علاقتي به مع بداية الألفية الجديدة بداية من لقائي به في أحد المؤتمرات الثقافية في مدينة «الإسكندرية»، وكعادته - دائما - فوجئت به يأتي بمجموعة من شباب الثغر الذين كانوا في أول طريق الكتابة، وكأنه أب رحيم لهم يتبناهم ويرعاهم وينتظر أي فرصة ليقدمهم علي الصفحات الثقافية والمجلات المتخصصة. بعد ذلك بدأ «علي كرار» يتعاون معنا في «أدب ونقد» في فترة رئاسة الناقدة فريدة النقاش للمجلة، وكانت هذه الفترة هي أخصب فترات علي كرار الإبداعية فراح يمد المجلة بالملفات الثقافية المهمة، وكل مرة كان يأتي فيها إلي مقر المجلة كانت حقيبته مليئة بإبداعات جديدة لأدباء الإسكندرية من مختلف الأجيال.وآخر مرة جاء فيها «كرار» إلي مقر المجلة أخبرني أن مجموعة من الأصدقاء ألحوا عليه في جمع مقالاته في النقد السينمائي والفكري وقدموها إلي سلسلة الكتاب الأول بالمجلس الأعلي للثقافة، وكان «علي» فرحا لذلك، وهو الذي لم تراوده فكرة جمع أعماله في كتاب طوال عمره الذي قارب علي السبعين. كان «علي كرار» أحد الأدباء العصاميين في الثقافة المصرية مثله مثل عبدالمعطي المسيري وحامد الأطمس ومحمد حافظ رجب وغيرهم، وإذا كان هؤلاء قد تركوا تراثا أدبيا مطبوعا فإن أعمال «علي كرار» بحاجة إلي من يجمعها، والدور يأتي علي أصدقائه وشباب المبدعين الذين قدمهم للحياة الثقافية، فقد عاش «كرار» راهبا في محراب الثقافة فلم يتزوج ولم ينجب، لكنه ترك محبة يعرفها من اقترب منه. صديقي العزيز علي كرار.. وداعا.