قدمت الكثير من الدراسات عن «عالم بيزنس العسكر» أو «اقتصاد الكاكي» كما يطلق عليه البعض، تحدثت عن أسرار الاقتصاد السياسي وارتباطه بأحداث تمر بها مصر الآن. هي د. زينب أبوالمجد أستاذ مساعد لتاريخ الشرق الأوسط والاقتصاد السياسي بجامعة «أوبرلين» والجامعة الأمريكيةبالقاهرة تخصصت في الاقتصاد السياسي بعد تخرجها من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، لمع نجمها قبل شهرين عندما بدأت تعرض دراستها حول الوضع في مصر بخصوص «بيزنس العسكر» الذي يستحوذ علي 40% من الاقتصاد المصري بين يديه، أكدت قبلها أن مصادر معلوماتها حصلت عليها من «الإنترنت» والمواقع الخاصة بشركات ومصانع القطاع العسكري في مصر ووصفت الوضع في مصر «بالالتباس» الذي يصب في مصلحة النخبة العسكرية.. تساءلت أبوالمجد في مقالاتها وحواراتها التليفزيونية: هل الحديث في أمور «المكرونة» ومياه صافي وأنابيب البوتاجاز وسيارات الجيب والتيوتا والهيونداي يمثل أسرارا حربية يعد هتكها من أمور الخيانة العظمي؟، زينب أبوالمجد تفتح ملف أحد التابوهات السياسية المصرية.. حاورناها لنري ما تراه هي. الإمبراطورية الاقتصادية الشاسعة للعسكر في مصر كما أطلقت عليها في كتاباتك ما ضررها من وجه نظرك؟ - الضرر الأساسي هو وجود اقتصاد موازٍ في حد ذاته يمثل «دولة داخل الدولة» فبخلاف الاقتصاد الرسمي والاقتصاد غير الرسمي والاقتصاد الخاص أيضا بيزنس العسكر السري «الذي لا يراه أحد ولا يراقبه فليس لدينا بيانات عنه وحتي جهاز مشروعات الخدمة الوطنية» الذي أنشأه السادات عام 1979 فإن قانون إنشائه يجعله غير خاضع لأي رقابة، فحساباته توضع في بنك تجاري مصري لا نعرف ما هو أو من يترأس وما هي المليارات التي يتم تحصيلها من ورائه. وللعلم معلوماتي من علي مواقع الجهاز نفسه تؤكد وجود 15 شركة ومصنع لهذا الجهاز متشعبة منها وضع النصر للكيماويات الوسيطة الذي له الكثير من الفروع ومنها فر ع الفيوم الذي اعتصم عماله الأسبوع الماضي لعدم حصولهم علي أرباح فأين تذهب أرباحه؟ أيضا إنتاج مكرونة «كوين» التابعة لهم يقومون بتأجير خطوط الإنتاج الخاصة بها لشركات قطاع خاص. الضرر واضح بجانب أن الشفافية والمراقبة موجودة في كل دول العالم حتي الهند المحسوبة من دول العالم الثالث. هل غموض بعض البيانات عن أي جانب اقتصادي قد تسبب أحيانا خللا في الاقتصاد الكُلي للدولة؟ - بالطبع لابد من حسابات واضحة في جميع القطاعات الخاصة باقتصاد الدولة لإمكانية تقدير ما يتم صرفه وما سيتم ووضع خطط لأعوام قادمة هي قاعدة اقتصادية معروفة، لكن في مصر هناك حالة فوضي أشبه بفوضي القرون الوسطي، قطاع عام وقطاع خاص وقطاع غير رسمي «مثل البائعين في الشوارع لكل شيء» وهو قطاع لا يمكنني أن أجمع ضرائب منه لمعرفة طاقة العمل في مصر، أيضا قطاع اقتصاد الجيش «السري» ولهذا لا يمكنني عمل حسابات لاقتصاد هذا البلد ولا عن طاقة العمل أو الإنفاق أو الإنتاج. تتحدثين عن القوة المنتجة داخل منظومة البيزنس العسكري كيف ترينها؟ - هي قائمة علي فكرة «التجنيد الإجباري» والبعض قد يختلف معي في هذا لكنها قوة لا يحتاجها فعليا الجيش وأهميتها تكون وفقا لمنظومة الاقتصاد الخاصة به للعمل داخلها فهي طاقة عمل تحصل علي أجور زهيدة وتضيع من سنة إلي 3 سنوات من عمر الشاب المصري «طاقة عمل». الأضرار ما هي الأضرار الأخري لهذا البيزنس؟ - الاحتكار في كثير من السلع، حتي أن بعض السلع التي تنتجها المؤسسة العسكرية إنتاج مدني يتم بيعها وفقا للتوافقات مع رجال الحكومة ورجال الأعمال فمثلا تحصل شركة مقاولات تابعة لهم علي أمر تخصيص مباشر لمصلحة حكومية وحتي وإن كانت رسميا لا نفصح عن ذلك وهو أذي للصناعات المتوسطة والصغيرة. هل يمكننا إرجاع تدهور الاقتصاد المصري منذ سنوات وحتي إلي وجود هذا الاقتصاد الموازي للعسكر؟ - ليس بمفرده المسئول عن تدهور الاقتصاد المصري فمنذ فشل مشروع عبدالناصر الذي يطلق عليه أنه اشتراكي حيث كان كل المديرين لشركات القطاع العام من العسكر ولم يكن لديهم خبرة في الإدارة وتدهورت أحواله حتي جاءت الخصخصة ومحاولات فرض اقتصاد السوق الحر والذي لم يكن الحل الأمثل لمصر، فهو فشل إلي حد ما في أمريكا وأدي لفجوة اجتماعية شاسعة. البعض قد يري أن هذا الحديث به تلميح لخصخصة شركات ومصانع التابعة للمؤسسة العسكرية؟ - أنا لا أطالب بهذا ولكني أدعو إلي أن تعود ملكية هذه الأشياء للدولة وتخضع لأجهزة محاسبية ورقابة تامة وأن يتولي «الجيش» فقط إدارة الإنتاج الحربي «دبابات، أسلحة، طيارات» وأن يعود إلي ثكناته، وبعدها نفكر هل نخصخص هذه الشركات والمصانع أم نكتفي بتبعيتها للدولة. هل يمكننا القول إن «كامب ديفيد» كانت مؤثرة بشكل ما في اتساع بيزنس العسكر خلال ثلاثين عاما؟ - نعم فمقولة السادات الشهيرة أن «أكتوبر آخر حرب» أدت لوجود مشكلة هي كل هذا العدد من المجندين ولهذا رغم إنشاء مشروع الخدمة الوطنية من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي وخدمة جهات حكومية تم استخدامه بشكل آخر وتحول لبيزنس ضخم تجاوز غرضه الأصلي. متي بدأت قصة تحكم المؤسسة العسكرية في الاقتصاد وكيف جرت هذه التحولات في ظل فترات الرؤساء السابقين لمصر؟ - أيام عبدالناصر كانت الطبقة الحاكمة هي «العسكر» وكل شيء بأيديهم أما أيام السادات فبعد تقوية القطاع الخاص وإدخال رجال السادات ورغبته في اتباع النموذج الأمريكي المرفه تخلي عن المشروع الناصري واهتم بالانفتاح فأفرز طبقة رجال الأعمال وتم تهميش الجيش في الاقتصاد بجانب أن الجيش كان مشغولا في الحرب، ويذكر أن السادات حاول التقليل من عسكرة الدولة بهذا الشكل وتفويض المسئولية للمدنيين ثم عاد الوضع لما كان في عهد مبارك ويتم تصنيفنا الآن أننا دولة عسكرية سياسيا واقتصاديا. وهم إذن أنت تفسرين سيطرة العسكر علي الحكم من منطلق مصالحهم الاقتصادية كل هذه الفترة؟ - نعم إمبراطوريتهم الاقتصادية سبب من أسباب تمسكهم بالسلطة أيضا احتكارهم 90% من المناصب المدنية وقد يري البعض في هذا مبالغة لكنها الحقيقة فالمناصب المدنية العليا مثل «المحافظ، سكرتير المحافظ، مدير عام ديوان المحافظة» لواءات جيش متقاعدين إضافة إلي الشركات والمصانع الحربية داخل المحافظات ورؤساء المراكز الحيوية، نحن نعيش وهم الدولة المدنية داخل القاهرة فقط، لكن الوضع مختلف خارجها. تطبيقا لتخصصك في التاريخ والاقتصاد السياسي.. كيف ترين مشهد مصر مقارنة بدول أخري مرت بهذه المرحلة؟ - الوضع في الصين كان بنفس الشكل حتي جاء الحزب الشيوعي وجرد الجيش من أملاكه وسحب منه «البيزنس» وكان قد تورط وقتها الجيش الصيني في قتل طلاب صينيين سنة 1989 بعد ثورة الطلاب وعادوا إلي ثكناتهم دون حدوث شيء أما باكستان فهي الوضع الأقرب لمصر الآن وهي نموذج صعب فهم أيضا مسيطرون علي السياسة والاقتصاد وأيضا الأحزاب السياسية موجودة بقوة رغم وجود رئيس مدني. لهذا مفترض أن الوضع في مصر يختلف حتي لا يكون بنفس الشكل. ما هي السيناريوهات التي تطرحينها للخروج من هذا؟ - أملاك الجيش «المدنية» تصبح تحت المراقبة وتخضع للبرلمان ولجنة الدفاع والأمن القومي داخل مجلس الشعب ويتم الكشف عن ميزانية الجيش مثلنا مثل الدول المحترمة حتي إسرائيل تكشف ميزانية جيشها علانية فما هي المشكلة عندنا؟ حتي البنتاجون يحاسب «بالوصل».. إذا لم يتنازل الجيش عن «البيزنس» من حقي المراقبة عليها ومحاسبته كشعب لأنها ليست موازنة حربية طالما فيها إنتاج مدني. مسرحية كيف ترين أزمة التمويل الأجنبي والمعونة الأمريكية؟ - هناك تحركات في رأيي بين المجلس العسكري والأمريكان، فالمعسكر الحاكم في أمريكا ينقسم إلي طرفين: أولهما البيت الأبيض والإدارة المدنية والثانية البنتاجون وبالنسبة للأخير علاقته بالمجلس العسكري جيدة جدا ولن يتخلوا عنهم والمشكلة بهذا تكمن في الإدارة المدنية من البيت الأبيض والكونجرس الذي يحاول الحفاظ علي صورته أمام المواطن الأمريكي حتي لا يفقد صوته أمام مساندته للعسكر في مصر مع تجاوزاته الكثيرة وبهذا يمكننا الحكم علي حالة «العراك» بين مصر وأمريكا بأنها غير حقيقية وأنها «نصيحة أمريكية» أو مسرحية لتحسين صورة العسكر في الشارع المصري وفي النهاية فإن الطرفين مستفيدان. إذن أنتِ تستبعدين قطع الأمريكان للمعونة؟ - طبعا أستبعد ذلك، الأمريكان لن يقطعوا المعونة الأمريكية لأنها ضمان لإسرائيل بمعني ضمان لمصدر السلاح الوحيد في المنطقة وإلا مصر سوف تبحث عن مصدر آخر، فأمريكا هي مصدر التسليح الوحيد للطرفين. ما هي خطورة الوضع في رأيك وأقصد سيطرة العسكريين؟ - تزاوج غير شرعي بين السلطة والمال والسلاح وهو قمة الخطورة، فليس العسكر فقط أصحاب إمبراطورية اقتصادية بل الإخوان أيضا وأتوقع استمرار الثورة لسنوات قادمة خاصة وأن البرلمان لا ينطق بكلمة عن العسكر، والمسئول عن لجنة الدفاع والأمن القومي لواء جيش سابق، وعضو في حزب الحرية والعدالة وهي اللجنة المفترض لها محاسبة المؤسسة العسكرية ومساءلتها. هل تقصدين من حديثك تأكيد الحديث عن صفقة بين المجلس العسكري والإخوان؟ - نعم كل شيء يؤكد ذلك، ومن قديم الأزل اللعبة بينهما، فالمحاكمات العسكرية التي تمت للإخوان في 2007 كانت تصفية حسابات بين قطبين رأسماليين حيث كان بيزنس الإخوان يضايق السلطة وقتها.