استحضرت صورته البهية عندما قابلته بالاسكندرية في انتخابات مجلس الشعب لعام 2010 وهي الانتخابات التي كانت كما قيل «القشة» التي قصمت ظهر النظام الحاكم لما شابها من تجاوزات صريحة اختتمت بمقولة المخلوع «خليهم يتسلوا». وقتها هالني ما رأيته علي وجه جلال عامر الذي تقدم للترشح في دائرة المنشية بالإسكندرية علي مقعد الفئات لحزب التجمع حاولت خلال لقائي به معرفة ما يدور في عقله حول العملية الانتخابية الصعبة والتي اشبه بالمعركة وسط حماية النظام السابق لكنه خيب توقعاتي وفاجأني عندما أكد لي أنه يعلم قدراته جيدا ولا يهمه سوي الوصول للناس وظل يضحكنا جميعا بكلماته الساخرة. هو نفس الرجل الذي كتب في مقال بعنوان «الصندوق الأسود للوطن» «أنا عابر سبيل ابن الحارة المصرية ليس لي صاحب لذلك كما ظهرت فجأة سوف اختفي فجأة فحاول تفتكرني». وبالفعل هذا ما حدث اختفي فجأة جلال عامر الذي جعلنا ننتبه كما قالت الكاتبة منصورة عز الدين «الموت ذواقة» وجعلنا نحزن لأننا لم نستطع حماية قلبه كما جاء تعبير الصحفي ياسر الزيات. رحل جلال عامر وترك مجتمعا وصفه قائلا:«مجتمع لا يهمه الجائع إلا إذا كان ناخبا ولا يهمه العاري إلا إذا كانت امرأة» نعاه ولده رامي قائلا: كيف تموت الفكرة، الفكرة مقدرا لها الخلود وداعا ابي ألقاك قريبا». يقول زملاؤه في الوطن والكتابة عنه الكثير والكثير ينعونه ببالغ الأسي، يصف الروائي يوسف القعيد موته بأنه «احتجاج» علي أوضاع المصريين ويتذكر معرفته به عندما اشترك في مسابقة النصر في القوات المسلحة بقصة قصيرة وفازت بجائزة وقابله بعدها أثناء تسلمه الجائزة وعلم أنه كان ضابطا بالقوات المسلحة ولم يسأله عن كيفية تقاعده لكنه لفت نظره مستوي قصته المتميز وحجم السخرية التي كتب بها وتمني لو أنه جمع قصصه في مجموعات خاصة. يري القعيد أن اسلوب عامر يمزج بين السخرية والواقعية وأنه ليس هناك مسافة بين كلامه وكتابته وهو ما يعني مدي صدقه وفي نفس الوقت سر وصوله للقراء وتأثيره فيهم، يعتبره القعيد امتدادا لبيرم التونسي وأن ملاحظاته التي حوتها مقالاته كانت شديدة الأهمية وأننا في أمس الحاجة لها وأننا خسرناه ككاتب وإنسان وأن سقوطه داخل مظاهرة هو ختام نبيل لشخص حقيقي. ويقول عنه الروائي ابراهيم عبد المجيد «السكندري أيضا» انه شخص نادر في زماننا ووجوده في الصحافة المصرية كان اضافة مهمة وأن مقالاته في «الأهالي، البديل، المصري اليوم، القاهرة» بمثابة ثراء في الصحافة المصرية، وعن شخصه عرفه لا يحمل أي مطمع في الحياة وصحيح النفس وثقافته العالية ميزت كتاباته الساخرة عن أي كتابات أخري في وقتنا الحالي فيجعلها كما لو كانت «لوحة فنية» وأن الايجاز في تعبيراته موهبة لا تجدها لدي الكثيرين فكان يلخص قضايا كبري من جمل معبرة وكلمات مأثورة. رحم الله جلال عامر الذي كان آخر كلماته «المصريين بيموتوا بعض» فكان رحيله وكأنه تأمل الصورة جيدا يرفض الاستمرار فيها وفضل الصعود لأعلي وكما كتب أحد الاصدقاء «جلال عامر لم يمت بل ذهب ليطمئن علي الشهداء الذين تناسيناهم وسط فوضي الكلام».