انتهت الانتخابات العراقية بإعلان النتائج النهائية لتلك الانتخابات وفور إعلانها بدأت المشاكل والخلافات السياسية تظهر علي أشدها، بداية من رفض رئيس الوزراء نوري المالكي نتائج تلك الانتخابات متهما المفوضية العليا للانتخابات بالتعرض لضغوط وعمليات تزوير لم تقم اللجنة باثباتها رغم الطعون والشكاوي التي قدمت. أما أخطر المشاكل فهي تلك الخاصة بالكتلة السياسية التي ستتم تكليفها من قبل رئيس الجمهورية جلال طلباني بتشكيل الحكومة الجديدة، ومن ثم تقديمها للبرلمان العراقي (مجلس النواب) في ظل حصول القائمة العراقية برئاسة أياد علاوي رئيس الوزراء الأسبق علي 91 مقعدا بزيادة مقعدين فقط علي قائمة دولة الائتلاف والقانون التي يرأسها نوري المالكي رئيس الوزراء الحالي، والمعضلة أن أيا من الكتلتين لم يحصل علي نسبة (50+1) التي تؤهل للحصول علي الأغلبية ضمن إعداد مجلس النواب الذي يبلغ 325 نائبا. وبالتالي فالخلاف الآن علي أشده حول ما إذا كان التكتل الذي سيجمع أكبر عدد من الأصوات داخل مجلس النواب بالتحالف مع كتل أخري ، سيكون من حقه تشكيل الحكومة، وهو ما أطلق الصراع والتنافس والتسابق بين كتلتي (علاوي) و(المالكي) لاجتذاب الكتل السياسية الأخري للانضمام إلي تحالف أوسع يسمح له بتشكيل الحكومة والفوز بالأغلبية في مجلس النواب. وتبدو خطوط علاوي أكبر للحصول علي التكليف الرئاسي لتشكيل الحكومة، خاصة أن تكتله يضم أهم القوي السياسية السنية، والتي شاركت في تلك الانتخابات بقوة وفاعلية معوضة انسحابها في انتخابات 2005 وهو ما أدي عمليا إلي تهميش دورها السياسي، بعد أن ظلت تحكم العراق منذ استقلاله سنة 1921 حتي سقوط نظام صدام حسين فالكتل السياسية الأخري خاصة التحالف الكردستاني الذي جاء رابعا ب 43 مقعدا، يبدو أقرب إلي دعم تشكيل حكومة تحصل علي رضاء وتأييد الطائفة السنية وتشكيلاتها السياسية ، وتدرك أن استبعاد السنة من المشاركة في الحكم سيعني إمكانية عودتهم إلي ممارسة العنف والأعمال المسلحة، وهو خطر ماثل، لا يمكن تجاهله من القوي السياسية العراقية، وبعد أن نجح علاوي في بناء تحالف سياسي واسع ابتعد به عن الطائفية السياسية، تحت شعارات العلمانية والليبرالية السياسية، وتقوية دور الدولة في نفس الوقت لمواجهة الطائفية الدينية والسياسية، وهو قد تصدي لانفجارات طائفية أيام كان رئيسا للحكومة في البصرة والنجف. تصويت احتجاجي وتشير التقارير والتحليلات السياسية للخبراء المشتغلين بالشئون العراقية. إلي أن فشل المالكي في الحصول علي التمثيل الكبير الذي حصل عليه تكتله (ائتلاف دولة القانون) في الانتخابات السابقة (2005 والمحليات في 2009) سببه السياسة الطائفية التي اتبعها وعدم قدرته علي الوفاء بتعهداته ببناء دولة القانون في ظل اتساع عمليات الفساد إضافة إلي الفشل الأمني، ومحاولته تحميل هذا الفشل لسوريا ، وتنظيم القاعدة. وتم انتقاد المالكي لقربه من النظام الإيراني وهو حرص علي أرضاء الزعماء الإيرانيين عندما زار طهران وخلع رابطة العنق في إشارة رمزية لاحترام تقاليدهم، كما أنه سمح بنفوذ إيراني مباشر وغير مباشر في الشئون العراقية. الكتل الصغيرة ورغم ذلك فإن المالكي قد تخطي تباين الائتلاف الوطني العراقي القوة الثالثة 71 مقعدا، والتي يترأسها الزعيم الشيعي المتشدد مقتدي الصدر الموجود حاليا في إيران للدراسات العليا الفقهية، وفي نفس الوقت الهرب من المطالبات القانونية بمحاكمته لاغتيال رجل الدين الشيعي عبد المجيد الخوئي الذي قتله رجال الصدر ، بوحشية داخل مسجد الإمام علي في 1993 وبعد أيام قليلة من سقوط نظام صدام حسين. ومع استمرار الاتصالات مع بقية الكتل الصغيرة مثل قائمة التغيير (8 مقاعد) وجبهة التوافق (6 مقاعد) وائتلاف وحدة العراق (4 مقاعد) والاتحاد الإسلامي الكردستاني (4 مقاعد) والجماعة الإسلامية الكردستانية (مقعدان) من أجل اجتذابها إلي أي من الكتلتين الكبيرتين يبدو العراق مهددا بالدخول في مرحلة شلل سياسي، وأزمة مثل تلك التي شهدتها إسرائيل في الانتخابات الأخيرة عندما فشل حزب (كاديما) برئاسة (تسبي ليفي) في تشكيل الحكومة، ونجح الليكود الذي جاء ثانيا بتشكيل الحكومة بقيادة نتنياهو بالتحالف مع العمل وظلت ليفي وكاديمان المعارضة بدون أي فاعلية. ولا يبدو أن أيا من المالكي أو علاوي علي استعداد للجلوس في مقاعد المعارضة، ولم يبديا معا اهتماما بالتعاون المشترك رغم دعوة علاوي لذلك، وبالتالي ستستمر الأزمة السياسية لحين التوصل إلي حل يرضي جميع الأطراف والأهم يؤمن للعراق استعادة استقراره وأمنه، وتوفير الأجواء الملائمة لانسحاب القوات الأمريكية بالكامل في نهاية العام. وهذا يجرنا إلي دور الدول المجاورة والمهتمة بالشأن العراقي خاصة إيران وتركيا وسوريا والسعودية ومصر إضافة إلي الولاياتالمتحدة وحلفائها، حيث تقف علي الحياد تراقب إلي أين سيميل التحالف القادم، وممارسة التأثيرات المختلفة من وراء الستار. يبقي أن حكومة المالكي كانت موجودة في الحكم وقت إجراء الانتخابات، ولم تمارس أي دور في العملية الانتخابية التي أجرتها المفوضية العليا المستقلة عن الحكومة وعن أي هيئة أخري، وبالتالي عملت بحرية مطلقة وأشرفت علي انتخابات حرة وعملية تصويت وفرز للأصوات واحصائها بشفافية وحققت كل الطعون وأعلنت النتيجة التي كانت صادمة لرئيس الحكومة نوري المالكي الذي يشتكي ولا أحد غيره من عمليات غش وتزوير وتدخل، مطالبا بإعادة الفرز وهو مطلب لن يتحقق ، ولن يكون أمامه سوي محاولة كسب سباق تشكيل الحكومة الجديدة بسياسة جديدة أيضاً.