حراس العقائد ووصايتهم قال الناقد السينمائي مصطفي درويش الذي تتميز أفكاره ورؤاه بالعمق والتروي إن أيا من الأفلام المهمة والفائزة بجوائز مهرجانات عالمية فضلا عن الترشيح لجوائز أخري أيا منها لم تكتب له فرصة عرض عام حقيقية عندنا حتي يومنا هذا. وأضاف الناقد أنه أيضا لا ينتظر لهذه الأفلام نجاة من مقصلة رقابة تزداد تعنتا وتشددا علي مر الأيام، ولعل ذلك يفسر بعض الشيء لماذا فن السينما في ربوع مصر آخذ في التدهور والانحسار والنتيجة التي توصل إليها الناقد حول فن السينما الآخذ في التدهور والانحسار سوف تعم كل أشكال التعبير الأدبي والفني في الأيام القادمة لا فحسب بسبب الرقابة الرسمية التي تزداد تعنتا وتشددا، وإنما أيضا بسبب ثلاثة أنواع أخري من الرقابة سوف تحاصر الفكر والفن وتأخذ بخناقهما من كل الاتجاهات. الشكل الأول لهذه الرقابة هو ما يتوعدنا به الفائزون في الانتخابات من تيارات الإسلام السياسي إخوان مسلمين أو سلفيين والذين يرون أنه لابد من «مراجعة» الإنتاج الفني والأدبي في ضوء الضوابط الدينية وهو ما قاله بالحرف المتحدث الرسمي باسم حزب النور السلفي «نادر بكار» مؤكدا - بصياغة أخري - ما سبق أن قاله المتحدث الإعلامي باسم الحزب «عبدالمنعم الشحات» الذي اتهم أدب «نجيب محفوظ» بأنه أدب دعارة ومخدرات. ولن ننسي أبدا في هذا السياق أن «نجيب محفوظ» كان قد تعرض لمحاولة اغتيال - نجا منها بالصدفة - علي يد شاب قال له شيوخه إن الكاتب الكبير كتب رواية بعنوان «أولاد حارتنا» ضد الله سبحانه وتعالي، وارتكب الشاب جريمته دون أن يقرأ الرواية، وكان شاب آخر قد اغتال المفكر «فرج فودة» بعد أن حرض ضده مجموعة من الشيوخ واعتبروه مرتدا. ويشجع هذا الواقع الجديد المؤسسات الدينية التي كانت «تحرجم» منذ زمن طويل لفرض رقابتها علي الفكر والفن ونصب المحاكم للأحرار من المفكرين والفنانين. أما الشكل الثاني من الرقابة فهو رقابة المجتمع إذ أن من يسمون أنفسهم ب «حراس العقيدة» نجحوا علي مدار السنين وفي ظل سياسات الإفقار وبما يملكون من أموال وجوامع وزوايا كأجهزة دعاية - نجحوا في حفر مجري عميق للرؤية المحافظة للعالم، هذه الرؤية التي تستسيغ كل أشكال الرقابة علي الفكر والإبداع باسم الدين إذ لم يعد الشعر بمعزل عن الدين كما قال الجرحاني قبل أكثر من ألف عام. ونتيجة لانتشار هذه الرؤية وتجذرها في المجتمع وجدنا عمال مطابع يتولون بأنفسهم شطب نصوص وهم يقومون بجمعها باعتبارها خارجة علي الدين أو الأخلاق حتي أن الرقيب الرسمي يبدو مقارنة بمثل هذه الممارسات أكثر رحمة وتفهما. وتعددت الممارسات الاجتماعية التي تشير إلي تجذر مفهوم الرقابة علي هذا النحو من ملاحقة الفتيات السافرات إلي تغطية التماثيل العارية إلي العدوان المباشر علي بعض المبدعين والتزمت الشديد حول الاختلاط في المدارس والجامعات وأماكن العمل. وأصبح المجتمع منبعا لخوف المبدعين والمفكرين بدلا من أن يكون حاميا لهم وذلك بعد أن تراجعت تقاليد احترام الحرية والعيش المشترك وقيم التسامح وتقبل الآخرين كما هم بعقائدهم وأفكارهم وقيمهم. أما الشكل الثالث فهو حصاد تفاعل الشكلين الأولين الذين عملا علي تكوين رقيب ذاتي يكبر مع الأيام داخل المبدعين أنفسهم يقيدهم ويجرهم إلي الخلف ويطفئ جذوة مواهبهم ويكبلهم، ومما يزيد الطين بلة كما يقال الجهود الكبيرة التي يبذلها دعاة الإسلام السياسي لتطويع أجهزة الإعلام بل وإنشاء مؤسسات إعلامية جديدة تبث هذا الخطاب المعادي للحريات العامة ولحرية الإبداع والفكر واستدعاء المؤسسات الدينية لممارسة هذه الرقابة ووضع شروطها باعتبارها مسئولة عن عقائد الناس وأفكارهم. وهكذا تتعدد أشكال الوصاية علي الفكر والإبداع وسوف تشتد قبضتها في الأيام القادمة وهو ما يدعو المثقفين الديمقراطيين والنقديين إلي توحيد جهودهم وابتكار أشكال جديدة للدفاع عن حقوقهم سواء عبر مؤسساتهم أو عن طريق بناء مؤسسات جديدة وبناء قاعدة اجتماعية لهم في أوساط العمال والطبقة الوسطي عامة حتي يخرجوا من عزلتهم. ذلك أن تراجع العقل النقدي وتقدم «حراس العقاد» لممارسة الوصاية علي كل من المفكرين والمبدعين وجمهورهم شكل وسوف يشكل من قادم الأيام انتكاسة كبري لتجربة الحداثة والديمقراطية والحريات العامة كافة لتكون تلك هي أولي معارك المرحلة القادمة توا.