دروس من المرحلة الأولي بعيدا عن الاختلاف أو الاتفاق حول نتائج المرحلة الأولي من الانتخابات البرلمانية، ومحاولات اختطاف ثمار ثورة 25 يناير من فصيل معين، أو فصائل بعينها، إلا أن ما حدث في الانتخابات من الإقبال الجماهيري من الناخبين شيء مميز بكل معني الكلمة، وإن كان استفاد منه التيار الإسلامي بشكل رئيسي. لم يكن الإقبال بين الناخبين داخل البلاد فقط، بل كان من الناخبين خارج مصر، وبين الجاليات في مختلف دول العالم، بالرغم من العدد المحدود للمسجلين في قوائم الانتخابات علي الإنترنت، ورغم ذلك فإن هذا في حد ذاته عامل إيجابي وفي غاية الأهمية. ويعكس الإقبال في جانب رئيسي منه حرص أبناء الشعب المصري علي المشاركة في التغيير، وإن كان الإقبال في جانب آخر منه، خاصة بين البسطاء، سببه الخوف من فرض الغرامة علي من يتغيب متعمدا عن الانتخابات، ورغم ذلك يبقي الإقبال علامة مضيئة في تاريخ مصر الجديدة. وأعتقد أن ما حدث في الانتخابات نتج عنه دروس مهمة ورئيسية للتيارات السياسية بمختلف طوائفها، ويجب عليها أن تستوعب الدروس جيدا في المرحلتين الثانية والثالثة، فإدارة العملية الانتخابية تحتاج إلي كثافة تواجد بين الناخبين، والتواجد بقوة بعيدا عن الفضائيات. ومن أهم دروس المرحلة الأولي، أن التيارات الإسلامية أدارت العملية الانتخابية بشكل احترافي، واستفادت من حالة الخلاف في ميدان التحرير، وحول تكليف الجنزوري بتشكيل حكومة الإنقاذ، ورغم خلافي وانتقادي لانسحاب الإخوان والسلفيين من ميدان التحرير، لكنهم أداروا المعركة، بمنطق المثل «صاحب بالين كداب، وتلاتة منافق»، ورأوا في الانتخابات المعركة الأهم. وفي المقابل يبقي أن يستوعب الليبراليون وغيرهم الدرس جيدا، في المرحلتين الثانية والثالثة، للاقتراب أكثر من الناخب، وتكثيف المندوبين خلال عمليات الاقتراع، واستغلال كل الفرص المتاحة لتقديم البديل للتيارات المنافسة، والخروج من مرحلة النضال داخل «الاستديوهات» وعلي الفضائيات، إلي الشارع، والتركيز علي قضية الانتخابات. الدرس الثاني، اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتطبيق القانون فيما يتعلق بمنع ووقف كل وسائل الدعاية قبل الانتخابات ب 48 ساعة، وخلال أيام الاقتراع، خاصة أن المرحلتين الثانية والثالثة ستتركز في مناطق ريفية وشعبية، خاصة في الأقاليم، الأمر الذي يستدعي تعاونا من اللجنة العليا للانتخابات، وبتنسيق أمني من جانب القوات المسلحة، والحكومة الجديدة، والتي تضع الأمن علي رأس أولوياتها حسب تصريحات د. الجنزوري. والدرس الثالث من المرحلة الأولي للانتخابات البرلمانية هو ضرورة حساب نقاط الضعف والقوة في إدارة العملية الانتخابية، وأسباب الخسائر والمكاسب، لتعظيم الثانية وتقليل الأولي، بحيث تتم إعادة صياغة التوعية بالاقتراع، وتوجيه الناخب للبرنامج الأصلح، وفي مثل هذه الحالات يجب علي القوي والتيارات والأحزاب السياسية أن تشكل لجانا تقوم بصيانة خطط سريعة تتحول إلي برامج عمل عاجلة للمرحلة المقبلة. ورغم كل ذلك فإن الانتخابات في مرحلتها الأولي شكل حضاري متميز بكل معني الكلمة، وفوز حزب أو تيار، أو تكتل، يعكس في النهاية قوة الفائز في إدارة الانتخاب والاقتراب أكثر من الناخب، وليس بالضرورة عن قوة التيار وقبوله سياسيا، ويمكن توصيف هذه المرحلة، بسنة أولي ديمقراطية بعد أكثر من 60 عاما. ويبقي التأكيد علي أن المؤشرات، ورغم غلبة التيار الإسلامي في المرحلة الأولي، فإن مجلس الشعب القادم سيمثل شعب مصر بكل طوائفه وألوانه السياسية، وسيكون ميزان القوة فيه لمن يعبر عن شعب مصر ويدافع عن وحدة هذا الشعب، وإعادة بناء ما دمرته سنوات حكم الحزب الواحد.