لا تصوتوا لهؤلاء شاركت المرأة المصرية بكثافة في ثورة 25 يناير وقدمت للثورة عددا من الشهيدات، لكن أحدا لا يستطيع أن ينكر أن أوضاع المرأة قد تدهورت بشكل كبير بعد الثورة، عما كان عليه الحال قبلها، والسبب المناخ المحافظ الذي يشيعه التيار الإسلامي، وفي القلب منه السلفيون داخل المجتمع، والذي يتخذ من المرأة وزيها ووضعها الاجتماعي والحقوق التي حصلت عليها بعد نضال مرير خلال العقود الأخيرة، هدفا لعدوانه، ودعواته التعبوية لإعادتها إلي المنزل الذي لا ينبغي طبقا لرؤيتهم أن تخرج منه إلا إلي بيت زوجها، ومنه إلي القبر، باعتبار أن دورها التقليدي في الحياة هو الإنجاب وتربية الأولاد ورعاية الزوج. روج السلفيون للنقاب، باعتباره العنوان الأوحد لفضيلة المرأة، فانتشر في الساحة المصرية بشكل غير مسبوق، وعجزت القوانين والقرارات الإدارية عن إلزام المنتقبة بخلعه عند أداء أدوارها في المجال العام وحفظا لحقوق المجتمع، بعد أن تبين استخدام النقاب لارتكاب جرائم مخالفة للقانون، وبينها جرائم غش في الامتحانات الجامعية والمدرسية وجرائم إرهابية للسلب والنهب والقتل لمحلات الصاغة، كان أكثر ضحاياها من بين الأقباط، مما شكل عوامل إضافية لزيادة حدة التوترات الطائفية، التي ساهم بروز التيارات السلفية بشكل واسع بعد ثورة 25 يناير، في تأجيجها. وفي حوار لي مع أحد السلفيين وردا علي سؤالي لماذا يعارضون وثيقة السلمي، قال بحسم لأن المادة الثانية من الوثيقة تساوي المسلم بغير المسلم حين نصت علي أن الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع ولغير المسلمين الاحتكام إلي شرائعهم وأحوالهم الشخصية وشئونهم الدينية. وبرغم أن المادة تقر وضعا قائما في القانون الوضعي فيما يخص الأحوال الشخصية لغير المسلمين ورغم أن الدين الإسلامي يقر بذلك، فإن السلفيين لا يقبلون سوي بالتمييز ضد غير المسلم وضد المرأة. شن السلفيون ولايزالون، حملة ضارية بعد الثورة ضد قوانين الأسرة التي شملت قانون الخلع وقانون الطفل، وقانون الجنسية وقانون محاكم الأسرة، وكلها قوانين تيسر علي المرأة إجراءات التقاضي في قضايا الأحوال الشخصية، وتحمي الأطفال من ممارسة العنف ضدهم، وتحد من ظاهرة الختان، وتقلل من ظواهر العنف الأسري، وكلها أمور تخفف الضغوط عن الأسرة المصرية، وتزيل بعض الغبن الواقع علي المرأة، ولعل هذا هو السبب الحقيقي وراء حملة التيار الإسلامي ضدها والمطالبة بإلغائها، وهي حملة تخفي الهدف الحقيقي من ورائها وهو التمييز ضد المرأة، باشهار هدف لا يخلو من انتهازية سياسية يزعم أن تلك القوانين، هي قوانين سوزان مبارك. وبانتهازية سياسية مماثلة، رشح السلفيون نساء علي قوائمهم، انصياعا للقانون الانتخابي الذي يوجب وضع سيدة علي الأقل في كل قائمة، لكنهم يعلنون أن خوض المرأة للانتخابات مفسدة، لكنهم يقبلون بها لصد مفسدة أعظم هي فوز الليبراليين والعلمانيين، في الانتخابات البرلمانية، بزعم كاذب آخر هو أنها تيارات تسعي لإلغاء المادة الثانية من الدستور الخاصة بالشريعة. حرم السلفيون الاحتفال بالموالد واعتبروا الاحتفال بمولد الرسول عليه السلام بدعة تماما كبدعة الاحتفال بعيد الأم وعيد شم النسيم، وكبدعة الاحتفال بأربعين الموتي ودفنهم في مقابر! النساء هم أول ضحايا هذا الخطاب الديني المتطرف الذي يستدعي الماضي السحيق، ليطبقه علي الحاضر والمستقبل، ويعيد الحديث عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة إلي بدايات القرن التاسع عشر، الذي عرف فيه تاريخ النهضة العربية، مفكرون سلفيون مدافعون عن حقوق المرأة بتقديمهم تأويلات للنص الديني لا تتعارض مع حق المرأة في السفور والتعلم والعمل والمشاركة في التقدم الاجتماعي كان بينهم رفاعة الطهطاوي والامام محمد عبده. والسعي المحموم للسلفيين لفرض أسوار العزلة من جديد علي النساء، يستدعي إدراكا واعيا من النساء الناخبات اللائي يمثلن نحو 40% من نسبة من لهم حق التصويت، بألا تصوت امرأة لكل من يعتبر صوتها عورة كما تدعو القاضية «تهاني الجبالي» وألا تمنح تأييدها لمن يمثلون تيارا يريد أن يعيد المرأة إلي عصر الحريم والجواري، وأن يحرم المجتمع من فرص لتحديثه وتقدمه بفرض أسوار كثيفة من العزلة علي نصف سكانه، والتمييز ضد مواطنيه من غير المسلمين وهي مهمة مدعو إليها المتنورين من الرجال أيضا، فلا صوت لمن يريد أن يطفئ أنوار هذا المجتمع ويجذبه إلي دهاليز الظلام والتخلف ويدفع به إلي اتون الفتن الطائفية.