في بيت عتيق يقع في حي الحدث - يمكن وصفه بالفقير وقد اصبح الآن من ضواحي العاصمة بيروت- اجتمع خمسة من اللبنانيين من مختلف الطوائف وكانت نتيجة اجتماعهم تأسيس الحزب الشيوعي اللبناني في مثل هذا الوقت قبل 87 عاما (في 24 اكتوبر 1924).. وقبل ايام في الاسبوع الماضي التقي عدد كبير من الشيوعيين اللبنانيين واصدقائهم من الداخل ومن الخارج للاحتفال بهذه الذكري. وكان بين حضور الاحتفال ممثل لرؤساء لبنان الثلاثة (رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس الوزراء) وزير الدولة علي قانصو. وفي الحفل تم تكريم شيوعيين لبنانيين برزوا في حقول مختلفة في العلم والثقافة والفن، بينهم ليندا مطر ونقولا اللحام ويعقوب الشعراوي، حيث سلمهم الامين العام للحزب الدكتور خالد حدادة دروعا تقديرية.خلال الاحتفال اعلن ان الحزب تلقي تهاني الاحزاب الشيوعية في العالم وتهاني الامين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين احمد سعدات من مقر اسره في اسرائيل. وحيا الحزب نضال الشعب الفلسطيني ومقاومته وحيا ايضا صفقة تبادل الاسري بين حكومة اسرائيل والمقاومة الفلسطينية. وأكد د.حدادة دعم الحزب الشيوعي اللبناني للمقاومة ولكل اشكال المقاومات ضد العدو الاسرائيلي ورفضه كل اشكال محاصرة المقاومة واقتلاعها من لبنان. الاشتراكية هي الحل وقال الامين العام للحزب إن الاشتراكية هي الحل لأزمة العالم، مشيرا الي ما يداهم الولاياتالمتحدة والدول الاوروبية من ازمات هي نتيجة السياسات الرأسمالية المتوحشة بحق الشعوب عبر تصدير الحروب والسلاح الي كل بقاع الارض. ولم يفوت الامين العام الشيوعي اللبناني الفرصة ليوجه تحية الي الوزير الماركسي في حكومة لبنان الحالية وهو وزير العدل شربل نحاس قائلا إن إحدي نقاط قوته تأتي من خلفيته الفكرية الماركسية المنحازة لنضال العمال والفلاحين ووصف الوزير اليساري بانه "وحيد في الدفاع عن الحقوق في غابة هذه الحكومة والمتواطئين معها". والاحري أن تلفت هذه التحية - بالاضافة الي حضور ممثل لرؤساء لبنان - نظر الشيوعيين المصريين والمتعاطفين معهم باعتبارها صورة للمكانة التي وصل اليها الحزب الشيوعي اللبناني بالمقارنة بوضع الحزب الشيوعي المصري الذي تاسس اول تنظيم له قبل اللبناني بثلاث سنوات (بالتحديد في 28 اغسطس 1921) باسم الحزب الاشتراكي المصري بزعامة ثلاثة من ابرز مثقفي مصر في ذلك الوقت هم محمود حسني العرابي ومحمد عبد الله عنان وسلامة موسي والدكتور علي العناني (د.رفعت السعيد: التيارات السياسية في مصر- ص 58). العلنية أداة والواقع ان الفارق الاساسي بين هذين الحزبين العريقين هو ان الحزب اللبناني عاش حياته كلها في حالة العلنية بينما عاش الحزب الشيوعي المصري معظم حياته في حالة السرية التي يصفها بدقة تعبير "تحت الارض". ولا يعني هذا ان الحزبين لم يتعرضا في معظم فترات نضالهما الي الملاحقة والاضطهاد والقمع. ولكن الامر المؤكد ان العلنية اتاحت للحزب اللبناني ان يفرض وجوده في المجتمع اللبناني بجراة ووضوح فاقا ما استطاعه الحزب المصري. ولكن اذا كان الحزب اللبناني قد افاد من علنيته وجو الحرية الليبرالية السائد مع النظام اللبناني الا انه لم يستطع - شانه هنا شان التنظيمات الشيوعية المصرية ان يتجنب الانقسامات والانشققات التنظيمية والسياسية والفكرية التي جعلت اعداد المنتمين للحزب الشيوعي اللبناني تتدني في السنوات الاخيرة الي حد لافت للنظر. وهنا لا بد ان نقول ايضا إن شانه شان التنظيمات الشيوعية المصرية. ويلفت النظر ان احد الكتاب اليساريين اللبنانيين وصف تدني اعداد الاعضاء في الحزب الشيوعي اللبناني بانه "القلة الكارثية"، فضلا عن تراجع واضح في اعداد الشباب بالمقارنة الي اعداد المسنين في عضوية الحزب. وهذه السمة الاخيرة تبدو نقيضا لما يمكن ملاحظته في التركيبة العمرية في الحزب الشيوعي المصري في الوقت الحاضر. في الوقت نفسه فان الامين العام للحزب اللبناني لم يتردد في احتفالية الاسبوع الماضي في توجيه النقد الي الاتحاد العام للعمال في لبنان الذي يفترض فيه ان يكون الحليف الاول للحزب في الظروف الراهنة. قال د. حدادة: إن السياسات الاقتصادية للاتحاد "تابعة لمن مولوه وامنوا له الاكثرية عبر بعض النقابات". وطالب النقابات وهيئات التنسيق النقابية بان "تعمل لانشاء مركز نقابي ديمقراطي يؤمّن مطالب العمال". وقال "إننا لا نريد وحدة نقابية هشة تساوم علي مطالب العمال، بل نريد نقابة منحازة للعمال وحقوقهم". ضد الحل الأمني اما في اطار الوضع العربي العام فان الامين العام حذّر من محاولات الغرب فرض اتفاقات علي غرار اتفاقية سايكس - بيكو لتقسيم الوطن العربي بين الدول الامبريالية. واتهم الولاياتالمتحدة بانها تريد "استغلال الحراك العربي واستبدال الشعارات الوطنية والقومية بشعارات مذهبية". ولم يكن بامكان د.حدادة باي حال ان يتناول الوضع العربي دون التطرق الي احداث سوريا. وقد عبر صراحة عن راي الحزب فيما يجري هناك في قوله: "نعم هناك استهداف امبريالي لسوريا لوقوفها الي جانب القضية الفلسطينية والقومية، وهي ليست خارج مخطط التفتيت الامبريالي، لكن حماية سوريا من هذه الهجمة الخارجية لا تكون عبر الحل الامني". واضاف مؤكدا "انحياز الحزب الشيوعي الي المعارضة الوطنية الديمقراطية في سوريا التي تناضل تحت شعارات: لا للقمع لا للتدخل الخارجي ولا للفتنة الطائفية، بل لقيام الدولة المدنية الديمقراطية". ونستطيع ان نتعرف علي موقف الحزب من ربيع الثورات العربية من خلال ما قاله د.حدادة عن الوضع في سوريا. فان موقفه من ثورات تونس ومصر وليبيا واليمن لا يختلف باي حال مع موقفه من احداث سوريا. وهو موقف يحاول ان يوجد نقطة التوازن الممكنة بين تأييد الثورات العربية الحاضرة والقادمة والتحذير من محاولات الامبريالية (الأمريكية بشكل خاص) انتهاز هذه الثورات فرصة لفرض هيمنتها وخططها علي البلدان العربية مع العمل من اجل الحفاظ علي النظم القمعية التي تحمي المصالح البترولية للغرب. التحرير والتغيير ربما لهذا اصبح الشعار السائد في وصف الحزب الشيوعي اللبناني بعد انقضاء 87 عاما علي تأسيسه انه "حزب المقاومة والتحرير والتغيير والديمقراطية". وربما لهذا يبدو هذا الحزب في هذه المناسبة اكثر اهتماما بالشان العربي والعالمي منه بالشان اللبناني. ان شعورا يسود الحزب بان فرصه لفرض اي تغيير داخلي هي اقل من فرصه للتأثير علي الوضع الاقليمي والعالمي. والحزب الشيوعي اللبناني يؤمن في هذا كله إن مستقبل العالم ومستقبل المنطقة العربية هو في الاشتراكية. وهو لا يترك هذا المصطلح دون تأكيد ان المقصود هو اشتراكية كارل ماركس. وهنا يجدر بالذكر ان غلاف مجلة "النداء" - وهي المجلة الناطقة بلسان الحزب - حمل علي غلافه في اسبوع الاحتفال بالذكري السابعة والثمانين لتأسيسه عنوانا عريضا واحدا هو: "ازمة الرأسمالية: الحل في العودة الي ماركس"