لاشك أن هناك فرقا بين البحث العلمي والتكنولوجيا. فالبحث العلمي هو الأساس الذي ينتج التكنولوجيا، إذن فالتكنولوجيا هي التطبيق او المنتج أما البحث العلمي هو الفكر أو المدخل، أو كما نقول في عالم الحاسب الآلي البحث العلمي هو السوفت وير والتكنولوجيا هي الهارد وير. بالتالي لا يمكن أن تكون هناك تكنولوجيا جيدة ومتطورة دون بحث علمي جيد ومتقدم. السؤال الذي يطرح نفسة الأن، هل في مصر بحث علمي حقيقي يمكن أن ينتج تكنولوجيا حقيقية تساعد علي تنمية المجتمع؟ وهل البحث العلمي في مصر يساعد علي تطوير التكنولوجيات الموجودة الأن؟ وهل مصر لديها الإمكانيات العلمية التي يمكن أن توجد بحث علمي حقيقي ينتج تكنولوجيا تحدث التنمية الاقتصادية والبشرية المرغوبة؟. كل تلك الأسألة التي تم طرحها يمكن الإجابة عنها بأن مصر لا يوجد لديها بحث علمي حقيقي يساعد علي إنتاج أو المساهمة في إنتاج تكنولوجيات، تساهم في إحداث التنمية التي يرغبها المجتمع. ويمكن ملاحظة صحة ذلك في أن المشروعات الدولية والعالمية والتي تساهم فيها أكثر من دولة من خلال جامعاتها ومراكزها البحثية والعلمية مثل مشروع الجينوم البشري او ما يسمي بالخريطة الجينية للكائن البشري، الذي ساهمت فيه العديد من الجامعات والمراكز البحثية في العديد من دول العالم، ولم يكن من بين تلك الجامعات والمراكز البحثية أي جامعة او مركز بحثي مصري او حتي عربي. بينما كانت لإسرائيل أكثر من جامعة ومركز بحث علمي يساهم في هذا المشروع العالمي. كذلك لم نسمع عن اي مشروع او دراسة علمية دولية تقدمت بها الجامعات او المراكز البحثية المصرية لنيل جائزة نوبل في العلوم التطبيقية مثل الكيمياء او الفيزياء او الرياضيات او حتي العلوم الإنسانية مثل الإقتصاد. اذن البحث العلمي في مصر يمر بأزمة طاحنة، ويعود ذلك إلي عدد من العوامل أول هذه العوامل هو التعليم الذي يقدم للمصريين. فيمكن تعريف العملية التعليمية بأنها إمكانية التفكير والنقد علي اسس علمية سليمة. إذن لابد أن يتعلم المصريون كيف يفكرون علي أسس علمية سليمة، وأن التفكير العلمي هو الأساس في وجود بحث علمي سليم. وذلك لأن التفكير العلمي مبني علي النسبية أي لا يوجد المطلق في التفكير العلمي، وان كل شيء قابل للشك فية والجدل حوله، وكذلك هو البحث العلمي. فالبحث العلمي هو أيضا مبني علي النسبية أي علي الشك والجدل. وإلا بدون الشك والبحث في أي شيء ما كان يمكن الوصول إلي الجديد في ذلك الشيء، وبالتالي ما كان هناك بحث علمي حقيقي. وعلي ذلك فلابد من النظر إلي التعليم نظرة أكثر موضوعية وعمق. فتطوير التعليم لا يتم من خلال تغيير مناهج التعليم فقط. وليس من خلال أن نحمل أطفالنا وطلابنا بمناهج تعليم معقدة مبنية علي الحفظ. ولكن أن نعلمهم كيفية التفكير العلمي، وتلك عملية تراكمية تتم عبر عدد من السنوات، وكلما كانت تلك العملية تتم في الصغر، كان من السهل أن تكون بشكل اكثر سهولة ويسر وسوف تكون جزءا من حياه المواطن العادي وتتم بشكل تلقائي. وسوف يؤدي هذا إنتقال المجتمع إلي مرحلة العقلانية والتي تتمير بالتحليل والنقد والإبداع ثم إلي مرحلة التنظير. وكل من الإبداع في مرحلة العقلانية ومرحلة التنظير كمرحلة لاحقة للعقلانية يحدث رقي في مستوي التعليم وبالتالي يمكن أن ينتج بحثا علمياً حقيقياً قادراً علي خلق وتكوين تكنولوجيا حقيقية تساهم في التنمية الحقيقية في المجتمع وتساهم في تطور البشرية بشكل أكثر رقياً. ولكي يتم هذا يتطلب مدرس أو القائم بالعملية التعليمية أن يؤمن بما يقوم به من تدريس للطالب من أسس التفكير العلمي السليم، وبالتالي هو نفسه المدرس او القائم بالعملية التعليمية لابد ان يكون عنه اسس التفكير العلمي السليم. وهذا لن يتأتي إلا من خلال تنمية مهارات هذا المدرس أو القائم بالعملية العلمية من خلال التدريب وإعادة التأهيل. وان يكون إختيار القائم بالعملية التعليمية علي عدد من الإختبارات ينجح فيها المتميزون في التفكير العلمي سواء في التحليل والنقد والإبداع. يعتبر الإعلام هو ثاني العوامل التي يمكن أن تنشئ بحثا علمياً حقيقي في مصر. والمقصود بالإعلام هو الإعلام في صورة المتعددة، المقروءة والمسموعة والمرئية. فالإعلام بدوره لابد أن يدفع من خلال خطاب إعلامي حقيقي ليبرالي إلي الفكر النسبي والتفكير المبني علي الأسس العلمية. فالقنوات الفضائية وبعض الصحف التي تقدم مادة إعلامية لا تتوافر فيها إحكام العقل، بل يتوافر بها البعد عن التحليل العقلي والنقد المبني علي إحكام العقل. بل نجد أن الكثير من المواد الإعلامية التي تقدم في أجهزة الإعلام المختلفة يتحكم فيها العاطفة والأراء الخاصة والتجارب الشخصية ولكن بدلا من تحكيم العقلة. وبالتالي الحلول التي يتم طرحها نجد انها لا تتوفر بها فكر السيناريوهات المختلفة، المبني علي دراسة وتحليل الظروف علي أسس علمية منطقية سواء المتغيرات الداخلية او الخارجية. مما يؤدي إلي عدم وجود أكثر من حل لنفس المشكلة. فلا يوجد مشكلة لها حل واحد فقط ولكل مشكلة أكثر من حل أي حلول متعددة. وبالتالي تلك الرؤية نجد أنها غائبة الطرح الإعلامي في القضايا التي تتم مناقشتها. ومما تقدن نجد انه لا توجد تنمية للفكر العلمي الذي هو الأساس لوجود بحث علمي جيد قادر علي توفير واستحداث تكنولوجيات قادرة علي إحداث التنمية المجتمعية، وبالتالي وضع مصر في صفوف المجتمعات التي تأخذ بالعلم والتفكير العلمي كأساس للتنمية والتقدم والرقي. وأخذاً بمبدأ العلم والتفكير العلمي سوف يؤدي إلي وجود بيئة سياسية قادرة علي الفهم الصحيح لمفهوم الديمقراطية. وبالتالي إفراز أحزاب وقوي سياسية حقيقية قادرة علي الحوار مع بعضها البعض، والحوار مع فصائل المجتمع المختلفة، وقادرة علي طرح الحلول العلمية لمشاكل المجتمع. ويكون لها رؤية حقيقية تنموية معتمدة علي مفهوم علمي. الأمر الذي يؤدي إلي وجود بحث علمي حقيقي وبالتالي تكنولوجية حقيقية تساهم في إحداث التنمية الحقيقية التي يشعر بها الفقراء تنقل حياتهم إلي وضع أفضل من خلال توفير الفرص البديلة الحقيقية، وزيادة معرفتهم وإدراكهم في فهم واقعهم والعمل علي تغيره علي أسس علمية سليمة.