دورات مياه بالعداد! إذ أسندت مشروعات البنية الأساسية للقطاع الخاص.. وجري تركيب عدادات في دورات المياه.. فإننا لن نعاني فقط من ارتفاع أسعار المواد التي تدخل بطوننا.. وإنما من ارتفاع تكاليف تلك التي تخرج منها.. بكل تأكيد!. يبدو أن عاطف عبيد.. كان صادقا في اعترافاته المسجلة بخط يده، والتي نشرتها صحيفة «أخبار اليوم» في 19 مايو 2007 عندما قال: إن مصر خاضت في عهده معركة تنمية جبارة بخطط ومنهج غير مسبوق (المرجع علي حد قوله هي تقارير بعثات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي عن أداء الاقتصاد المصري (1975 - 1981). وقال في نفس الاعترافات إن السفن الأجنبية كانت تضطر للانتظار في جميع الموانيء.. وكنا نضطر لسداد ملايين الدولارات كغرامات عن التأخير في دخولها الموانيء حاملة الواردات أو مطلوب وجودها لحمل صادراتنا (المرجع علي حد قوله.. قرار مجلس الوزراء بالموافقة لوزير النقل علي تحمل غرامات تأخير بتفريغ وتحميل السفن في يونيو 1981). وتحدث عبيد عن خطط الإصلاح الجبارة التي كان يراجعها الرئيس مبارك بنفسه.. والتي كانت تتم بمنهج غير مسبوق!. ودارت الأيام.. ومرت الأيام.. وبعد 30 سنة من تمدد الحزب السرمدي علي سرير السلطة.. برجاله.. وعتاده.. وصحافته.. وتليفزيوناته.. وقف وزير المالية يوسف بطرس غالي ليعلن أمام مجلس الشوري عن عجز ميزانية الدولة عن تمويل مشروعات البنية الأساسية ومحطات الصرف الصحي والمستشفيات والطرق والمدارس.. وقال إنه يدعو القطاع الخاص.. لإنجاز هذه المشروعات.. وبناء 17 محطة صرف صحي.. ومدارس وشق طرق.. إلخ.. لماذا؟!.. لأن ميزانية جمهورية مصر العربية بها 30 مليار جنيه مخصصة لهذه المشروعات العملاقة.. وهذه المشروعات العملاقة ستتكلف 150 مليار جنيه.. وبالتالي فإن حكامنا.. يناشدون القطاع الخاص.. ونواب القروض.. ورجال الأعمال الذين هربوا خارج مصر.. بتمويل هذه المشروعات واقتراض 120 مليار جنيه من البنوك المصرية.. بضمان التعاقد مع الوزارات المختصة. فرجل الأعمال.. النائب في مجالسنا النيابية الموقرة.. وفي اللجان الحساسة بالحزب السرمدي.. يتوجه للبنك ومعه العقد الذي وقعه مع الحكومة بإقامة شبكة صرف صحي.. طالبا قرضا قدره عشرة مليارات من الجنيهات كدفعة أولي.. وما علي رئيس مجلس إدارة البنك سوي التوقيع.. ويخرج رجل الأعمال من البنك ومعه المبلغ.. وهو يردد بينه وبين نفسه الجملة الشهيرة: دهب.. ياقوت.. مرجان.. أحمدك يا رب!. وسيقوم رجل الأعمال.. بتوسيع أبواب الرزق.. أمام فريق العمل.. ويبدأ الحفر.. سنة.. بعد سنة.. ومعها إعلانات الصحف بالملايين.. ومعها خطابات يبعث بها لرئيس التحرير.. فينشرها رئيس التحرير علي صفحة كاملة ومعها صورته وهو بملابس الإحرام في صحف الحكومة.. مستشهدا بالأحاديث النبوية الشريفة!. ومعني الكلام أن الإنجازات الكبري التي كانت تنسب عادة للحكومات المتعاقبة.. ولعصور وعهود محددة.. سوف تنسب في المستقبل لرجال الأعمال.. ولشركات القطاع الخاص، ولن يستطيع أي سياسي كبير أن يزعم قدرته علي حماية محدودي الدخل.. أو الوقوف إلي جانب البسطاء.. أو يدعي أنه يضع البسطاء في عقله وقلبه.. لأن الذي سيضع البسطاء في عقله وقلبه هو رجل الأعمال.. الذي تنشر صحف الحكومة صوره وهو يؤدي مناسك الحج بملابس الإحرام. عداد.. لكل بيت راحة ومعني الكلام أيضا.. أن السنوات القادمة.. ستشهد رجال القطاع الخاص.. الذين يحتلون المقاعد الأولي في المجالس النيابية.. بحكم فوزهم.. سنة.. بعد سنة.. في كل انتخابات حرة ونزيهة يدلي فيها المواطن برأيه بمنتهي الحرية والشفافية.. وهم يتحدثون عن إنجازاتهم في مشروعات البنية الأساسية ابتداء من الطرق والكباري وشق الترع والمصارف والصرف الصحي وحتي تزويد دورات المياه في كل بيت بعدادات خاصة مصنعة في الصين لحساب رجال أعمالنا علي غرار شنطة الإسعاف لتحقيق العدالة بين المواطنين في استخدام دورات المياه.. وهي العدالة التي ينص عليها ديننا الحنيف الذي يؤكد في أكثر من موقع علي أن الناس كأسنان المشط.. ناهيكم عن نصوص الدستور. وبما أن رجال الأعمال.. عندنا.. وهم في نفس الوقت نواب الشعب.. بالانتخابات أو بالتعيين.. لا يهمهم سوي راحة المواطنين.. فإن وجود عداد في كل «بيت راحة».. لا يحقق العدالة فحسب.. وإنما هو يحقق الراحة أيضا.. في المحاسبة عن مرات استخدام بيوت الراحة. وسوف تسمع الأجيال القادمة عن ضريبة توصيل مياه الشرب للمنازل.. وخدمة رفع مياه الصرف من بيوت الراحة.. والمحاسبة بفواتير.. عن كل لتر من مياه الشرب في الأحياء الراقية.. وعن كل قطرة مياه في اسطبل عنتر والدويقة وقلعة الكبش. والمثير في الموضوع أنه في الوقت الذي أعلن فيه وزير المالية في مجلس الشوري.. أن ميزانية جمهورية مصر العربية لا تسمح بتمويل مشروعات البنية الأساسية التي جاءت في البرنامج الانتخابي للرئيس مبارك.. تجده يعلن في ندوة نقابة الصحفيين أن مصر حققت تفوقا عالميا.. حيث أصبحت إحدي ثلاث دول في العالم تحقق نموا اقتصاديا رغم الأزمة العالمية(!!). وقال وزير المالية متحدثا للنخبة المتميزة من الصحفيين أن أكبر دليل علي نجاح مسيرة الإصلاح هو زيادة معدل النمو الاقتصادي ليصل إلي 7% في الأزمة المالية العالمية والتي أثرت علي جميع الاقتصادات العالمية بالسالب.. ماعدا أربع دول.. هي مصر والصين والهند وجنوب إفريقيا. والخطير في هذا الكلام.. أن إعلانه علي الملأ.. وعلي مسمع من 80 مليون مصري يعيشون علي أرض الوطن.. يمكن أن يصيب ملايين المواطنين بالأمراض النفسية والعصبية.. ويصيب السيدات بالشلل الرعاش.. لأن ما تراه عيونهم.. لا يتفق مع ما تسمعه آذانهم.. من وزير المالية صاحب إعلانات عبدالقوي، وبذلك يفقد المواطن ثقته في حكامه ضعاف الإدراك.. ولا يصدقهم.. عندما لا يكذبون!. ومن المفارقات الطريفة أن صحيفة «الأخبار» اختارت العنوان الفرعي لحوار يوسف بطرس في نقابة الصحفيين ليكون: مصر إحدي ثلاث دول في العالم تحقق نموا اقتصاديا رغم الأزمة العالمية. وهو كلام كان يتعين علي الزميل الصحفي أحمد زكريا.. أن يغض الطرف عن نشره. نعود لموضوع عجز ميزانية الحكومة عن تمويل مشروعات البنية الأساسية.. فنجد أن حكومتنا تنفق في مجالات «القنعرة» بمبالغ طائلة.. وتتنازل لثلاثة من الصحفيين عن ثمانية مليارات جنيه.. بتعليمات عليا من صفوت الشريف، وأسرفوا في الاقتراض من البنوك.. وقاموا بمشاريع لا علاقة لها بالصحافة.. وتاجروا في الأراضي.. ولم يحاسبهم أحد. انظر إلي النهب المروع لأراضي الدولة.. وقالت صحيفة الأهرام علي صفحتها الثالثة يوم الثلاثاء 16 مارس 2010.. إنه تم إهدار ستة مليارات جنيه من حقوق الدولة وتجريف الأرض. انظر إلي ما حدث في توشكي.. وشرق التفريعة.. وترعة السلام.. وغيرها من المشروعات التي درست بشكل عشوائي.. وتمت الموافقة عليها بطريقة عشوائية.. وضاعت علي مصر مليارات الجنيهات. انظر إلي ميزانيات العلاج بالخارج بعد القضاء علي مستشفيات الداخل. انظر إلي تعدد مكاتبنا الخارجية في أطراف العالم لدرجة أنه كانت لنا في العاصمة الألمانية القديمة «بون» 13 سفارة(!!) عجزت ميزانية الأمن الألمانية عن توفير الحماية لها.. أما حكامنا فلم يعجزوا عن دفع نفقات المكاتب التجارية والإعلامية والثقافية والعسكرية والطبية والعمالية في كل ركن. ومن المثير للدهشة أن يخطر ببال حكامنا.. إسناد البنية الأساسية للقطاع الخاص.. بما يشمل إدارته بالطبع.. وتحقيق الأرباح.. والإعفاء من الضرائب.. دون أن يفكروا في خفض ميزانيات «القنعرة» والإسراف المروع في الإنفاق الرسمي علي كل المستويات.. ودون أن تفكر الحكومة في مراعاة الأحوال التي تمر بها الغالبية العظمي من أبناء الوطن بسبب السياسات العشوائية التي ارتكبتها طوال الثلاثين سنة الأخيرة.. ودون مراعاة الضمير والحس الوطني. والأكثر إثارة للدهشة.. أن فكرة مشاركة القطاع الخاص في مشاريع البنية الأساسية.. ليست جديدة.. فهي تطبق في الدول الصناعية بنجاح كبير.. بل إن الدول الصناعية تسند صناعة الاسلحة لشركات قطاع خاص.. لأن له قاعدة صناعية عملاقة وذات تاريخ. مطارات .. شفيق! عندنا يحدث العكس.. فنحن لا نمتلك قاعدة صناعية عملاقة.. لها تاريخ عريق.. والدليل علي ذلك أنه عندما فكر الفريق أحمد شفيق في تجديد صالات الوصول بمطار القاهرة أو اقامة المطارات التي تحدث فيها رئيس مجلس إدارة صحيفة (الأهرام) في مقاله الذي كان يبحث فيه عن الدكتور البرادعي.. لجأ علي الفور إلي الشركات التركية والاجنبية لتنفيذ مشروعاته.. ولم يعلن عن مناقصة بين الشركات المصرية لتجديد قاعة الوصول بمطار القاهرة.. وقام باقتراض مليارات الدولارات من البنوك الاجنبية لتمويل عمليات التجديد.. التي يقوم بها الاجانب علي أرض مصر ويقومون بتحويل ارباحهم للخارج بالطبع. وما فعله شفيق يتكرر عند السعي.. لاقامة المشروعات التي لا تقوم علي (الكلفته) والعقلية الزراعية .. ومذاهب الفساد0 انظر مثلا لمشروع مترو الانفاق أو دار الاوبرا أو غيرها من المشروعات المقامة علي أرض مصر.. سنجد أن وراء كل منها شركات عاملة في الدول الصناعية الكبري .. ولم تسند لرجال الأعمال في مصر.. لسبب بسيط هو أن تاريخ الصناعة في مصر يعود لعشرات السنين.. فقط. ولذلك فإن رجال الأعمال عندنا.. لا يتجاوز نشاطهم مجالات الاستيراد من الخارج.. أو السياحة.. أو شراء الأراضي من الحكومة بآلاف الفدادين لبيعها بعد ذلك بالمتر، أو المضاربات،، والصناعات القائمة علي التجميع! ليس لدينا رجال صناعة.. يمتلكون الشركات العملاقة التي تنافس مثيلاتها في الدول الصناعية، ولكن لدينا رجال أعمال يكرسون انشطتهم في تحقيق الارباح الهائلة بأقل جهد ممكن.. وبلا عمل حقيقي.. يضيف شيئا للدخل القومي.. ولذلك فعندما يقول وزير المالية أنه سيسند مشروعات البنية الأساسية للقطاع الخاص الوطني.. فهو يمزح.. ولا يتسم حديثه بالجدية.. ويفتقر الإحساس بالمسئولية. يضاف إلي قسوة الموقف.. أننا .. للاسف الشديد.. لم نحسن إدارة المرافق التي تسلمناها من الشركات الأجنبية.. مثل مترو الانفاق.. الذي يشهد تدهورا مروعا سنة بعد سنة.. ولم نحسن إدارة مترو مصر الجديدة.. الذي ورثناه عن البارون امبان إلي أن وصل الآن إلي فضيحة متحركة. ولم نحسن إدارة السكك الحديدية.. ولا صيانتها .. ولم نحسن بناء محطات السكك الحديدية.. ولا شق الطرق التي تقع عليها الحوادث.. بسبب الاخطاء الهندسية.. التي تتحدث عنها الصحف الأوربية.. بعد انقلاب سيارات السياحة ومصرع ركابها من الأجانب0 وعلي اي حال فنحن أمام فكرة عشوائية جري اقتباسها من الدول الصناعية الكبري ستؤدي بنا إلي المزيد من اهدار المال وهروب المزيد من رجال الأعمال.. الذين ستفتح امامهم خزائن البنوك بعد عثورهم علي سبوبة للاثراء السريع. أما البسطاء من امثالنا.. فلن يكون امامهم سوي استقبال الموظف الذي سيقرأ عداد المياه في كل شقة.. واستقبال زميله الذي سيقرأ عداد الصرف الصحي.. ويتأكد من عدم تلاعب المواطنين في عدد افراز كل منهم لفضلاته. وفي هذه الحالة لن نعاني من ارتفاع اسعار المواد التي تدخل بطوننا.. وانما من ارتفاع أسعار تلك التي تخرج منها.. ايضا..!