خللي الواوا.. بح! شعب مصر.. هو شعب واحد.. وهو مسئولية الدولة.. وليس مسئولية رجال الدين.. وعلي حكومة الدكتور شرف أن تتوقف عن ممارسة حل المشاكل بمذهب «بوس الواوا.. خللي الواوا.. بح»! ذهب حسني مبارك.. بلحمه وشحمه.. وانسحب من قائمة الرؤساء والملوك والأمراء.. والأكابر.. وانضم لقائمة السفلة الذين يستحقون ضرب الرقاب.. ولم نعد نراه إلا مستلقيا علي ظهره.. وإصبعه في منخره.. إلا أن أساليبه.. وسياساته.. والتفافه حول المشاكل والملمات لاتزال تقف علي قدميها.. ولاتزال سارية المفعول. العقلية التي تدار بها الملمات الكبري.. لاتزال علي حالها.. ولاتزال الأمور تدار بالطريقة القديمة.. علي مذهب «بوس الواوا.. خللي الواوا.. بح». وأقرب الأمثلة علي ما نقول هو تعامل حكامنا الجدد مع ما جري في ماسبيرو والإسكندرية وبعض المحافظات يوم الأحد الأسود التاسع من أكتوبر الحالي.. فيما أطلق عليه «الاحتقان الطائفي».. بنفس الطريقة التي كان حسني مبارك يتعامل بها في مواجهة مثل هذه «الاحتقانات» طوال الثلاثين سنة الماضية. كانت طريقة حسني مبارك.. هي إلقاء الكرة في ملعب الأربعة الكبار وهم شيخ الأزهر.. والمفتي ووزير الأوقاف والبابا شنودة. فبعد يوم واحد من الحادث المروع.. أي حادث.. تظهر صحف الحكومة.. وفي صدر صفحاتها الأولي صورة كبيرة للأربعة الكبار.. ومعها تصريحات عن تسامح الأديان.. وكيف تعامل الرسول - صلي الله عليه وسلم - مع الكفار.. وأن الإسلام نهي عن مجادلة أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن وقال تعالي «ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون» (سورة العنكبوت 46). وتزدحم الصحف بمقالات أرباب العمائم وأصحاب اللحي الكثيفة.. تؤكد الحب والتسامح الذي ساد الحياة في فجر الإسلام.. وسنوات الفتوح الكبري والغزوات، وأن المسلمين الأوائل.. لم يهدموا كنائس الأقباط في مصر ولم يحرقوها علي نحو ما جري في كنيسة القديسين بالإسكندرية وغيرها في أرجاء مصر.. ويكثر الكلام عن الكفار.. وتعامل الإسلام مع الكفار.. وأن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تمسك بإطلاق الأسري الذين كانوا في أيدي التتار من أهل الذمة.. مع المسلمين.. فعندما أطلق قائد التتار أسري المسلمين فقط دون أسري أهل الكتاب لم يقبل شيخ الإسلام ابن تيمية.. وقال لقائد التتار: - لا نرضي إلا بإطلاق جميع الأسري من اليهود والنصاري فهم «أهل ذمتنا».. ولا ندع أسيرا لا من أهل الذمة ولا من أهل الله! فحقق له قائد التتار ما أراد.. وأطلق سراح جميع الأسري. ومع هذا السيل الجارف من المقالات التي تظهر بها صور أرباب العمائم.. الذين لا يفرقون بين الأزمان والعصور.. والتطورات المذهلة في مجالات العلم والوصول إلي القمر.. والطائرات التي تحلق في السماء.. بلا قائد يقودها.. ويحركها.. وتستطيع اغتيال من يقع عليه الاختيار من أهل الأرض. فإسرائيل قامت منذ أيام بالإفراج عن أكثر من ألف أسير فلسطيني.. مقابل جندي إسرائيلي واحد اسمه «شاليط».. وغالبيتهم من جماعة حماس الفلسطينية التي يتزعمها خالد مشعل وإسماعيل هنية ومحمود الزهار.. ولم تفرج عن بقية الأسري من المسلمين من رجال منظمة التحرير الفلسطينية.. لماذا؟! لأن جماعة حماس لم تتعامل مع خصومها من رجال منظمة التحرير الفلسطينية.. بمنطق الإمام ابن تيمية.. وإنما تعاملت معهم بمنطق العصر.. منطق القرن الواحد والعشرين، علاوة علي أن الإفراج جري من أجل هدف واحد هو رفع شعبية منظمة حماس في غزة.. بعد الشعبية التي حظيت بها منظمة التحرير الفلسطينية وحديث محمود عباس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. لقد أرادت إسرائيل.. ببساطة شديدة.. أن تعطي دفعة لجماعة حماس الموالية لها.. في مواجهة الخصم المشترك.. وهو منظمة التحرير الفلسطينية.. بالإفراج عن أسري حماس فقط.. دون أسري إخوتهم في الإسلام من أعضاء منظمة التحرير. أريد أن أقول.. إن لكل عصر.. ظروفه.. وما كان يسري أيام ابن تيمية لا يمكن الاعتداد به الآن.. ونحن في زمن يشهد سلطة المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي وهي المحكمة المنوط بها عدم التفرقة بين الأسري بسبب العرق أو الدين أو اللون أو الجنس.. إلخ. أعود لموضوعنا.. فأقول إن ما ينشره أرباب العمائم في صحف الحكومة بعد كل كارثة كبري.. تتعرض فيها كنيسة للحرق المتعمد.. هو كلام.. لا يشير إلي حسن النوايا نحو إيجاد حلول للمشاكل المتراكمة والمعقدة.. بل هو تجسيد لسوء النية المبيتة سلفا. فالمواطن العصري الذي يتابع النتائج المذهلة لثورة الاتصالات.. لا يمكن أن يسير في حياته علي نمط ما جاء عن «ابن تيمية».. ويفرق بين إنسان وآخر.. لأنه ولد علي دين آخر.. ومن أسرة وأهل ومعارف وأصدقاء يعيشون في زمن تتناسي فيه قيمة الدول والجماعات والشعوب بمواكبتها للعصر وارتفاع مستويات المعيشة.. والقضاء علي الجوع والفقر والمرض والأمية. الشعوب الحديثة هي الشعوب التي لا تفرق بين عباد الله ومخلوقاته.. وفق مذاهب وأفكار كانت سائدة منذ آلاف السنين.. وفي زمن لم يكن أجدادنا الأوائل يستخدمون المياه النقية ولا الصرف الصحي.. ولا يتابعون البرامج علي الفضائيات.. أو يستمعون إلي صوت الأذان علي شاشات التلفزة، أو يسافرون لأداء فريضة الحج.. بالطائرات التي ابتدعها الكفار.. ويستمتعون بأجهزة التكييف التي لم يكن يعرفها الناس أيام ابن تيمية. ولذلك نقول إن كل ما ينشر في صحفنا بعد كل كارثة يقال لها «الاحتقان العنصري» هو من قبيل أعمال النصب والاحتيال.. ولا يمكن لعاقل لديه ذرة من المخ أن يصدقه. ليس فقط لاختلاف العصر.. ولكن لأن مصر تضم شعبا واحدا.. هو الشعب المصري. وكل ما يقال حول مسلمين وكفار وأهل ذمة.. هي أقوال تستهدف إهدار قوانا المجتمعية.. وشغل أمتنا العظيمة عن العمل والابتكار وتوفير الغذاء والكساء، بقضايا خلافية.. لا يستفيد منها سوي حفنة من رجال الدين وأرباب العمائم الذين لا يزرعون ولا يحصدون.. ولا يتقنون عملا يرتزقون منه ويطعمون أطفالهم. المؤسف في الموضوع.. أن الأسلوب الذي انتهجه حسني مبارك طوال سنوات حكمه في مواجهة هذه الغوغائية.. لايزال ساريا.. وقام عصام شرف بزيارة فضيلة الإمام الأكبر.. والبابا شنودة.. وقدم دعمه للفكرة المفرطة في السذاجة.. وهي فكرة ما يسمي «بيت الأسرة».. التي يتصور البعض أنها سوف تحل الخلافات والصراعات الطائفية. فكرة «بيت الأسرة» لن تحل المشكلة.. لسبب بسيط هو أن المشكلة الطائفية.. هي مسئولية الدولة.. مسئولية النظام السياسي.. وليست مسئولية رجال الدين. وعندما تسند الدولة مسئولية علاج المشكلة الطائفية لرجال الدين.. فهذا يعني أنها تخلت عن أهل وظائفها.. وأنها ألقت بالمسئولية في ملعب من ليس لهم أي شأن بالموضوع.. وأنها تكرس الطائفية والانقسام وتفتيت الأمة. المشكلة الطائفية.. في حاجة لعلاج سياسي.. لا يتدخل فيه رجال الدين علي الإطلاق.. بل يحظر علي رجال الدين تناوله كي لا يصبح الزعيم الديني لكل طائفة هو المسئول عنها.. وليس الدولة التي ينتمي لترابها. شعب مصر.. هو شعب واحد.. وهو مسئولية الدولة.. وليس مسئولية رجال الدين.. وعلي حكومة الدكتور شرف أن تتوقف عن ممارسة حل المشاكل بمذهب «بوس الواوا.. خللي الواوا.. بح».. وأن تتحمل مسئوليتها كأي سلطة حديثة في عالمنا المعاصر.. حيث لا تفرقة بين أبناء الشعب الواحد.. ومن يخالف هذه القواعد يخضع للعقوبة الصارمة في الحياة الدنيا.. وبناء علي القوانين الوضعية.. وليس بناء علي أفكار.. كانت صحيحة منذ آلاف السنين.. وفقدت معانيها.. بما نشهده الآن من ثورة علمية غيرت وجه العالم. وعندما نردد خلف محمد عبدالوهاب: لنحمي الكنيسة والمسجدا! فنحن لا نفعل ذلك.. لأن ابن تيمية نصحنا به.. ولكن لأن القوانين التي تفرضها هيبة الدول تحول دون الاعتداء علي بيوت الله.