منذ اليوم التالي لتخلي مبارك عن السلطة ، اعتقد المصريون أنهم اصبحوا يمتلكون الحق والإرادة في الطموح الي تحقيق آمالهم وحقوقهم الثابتة والدائمة في ثروات بلادهم المثمرة وما تنتجه من ريع وأموال ، ظلت محلاً للنهب والفساد لعقود طويلة ، ولذلك مارسوا حقهم في المطالبة والاحتجاج ، لكن سلطة الحكم (المؤقتة) اخذت بالاحاديث عن حافة الانهيار الاقتصادي وتوقف الانتاج ، والمنح من هنا او هناك ، والحدين الادني والاقصي للأجور ،وارتفاع فاتورة الدعم ، وفي الوقت نفسه اتبعت اسلوب الحلول الجزئية والترضية المؤقتة ، مثل الادعاء برفع الحد الأدني للأجر الي 700 جنيه شهرياَ ، بينما الحقيقة ليست كذلك فما تم رفعه هو "حافز الإثابة " الي 200% من الاجر الاساسي وليس (الحد الأدني للأجر ) بالمفهوم القانوني وفي المقابل تم التراجع عن الضريبة علي توزيعات الأرباح في الشركات المساهمة تحت ضغط من منظمات الأعمال وبمشاركة من بعض المسئولين التنفيذيين في الحكومة 0 هل تتحقق امال الفقراء في الخروج من دائرة الفقر المطلق وفقر القدره ، والانتقال الي حد ادني من الحياة الانسانية؟ وهل ينال العاملون حقوقهم في الاجر المناسب ، وليس فقط تحديد الحدين الادني والأقصي ؟ ، ومتي نطمح الي الأجر العادل عن قيمة العمل الانساني وهو المنتج الرئيسي للقيمة والثروة ؟ الحقيقه السياسية المسيطرة علي مقاليد الأمور تقول : لن تتحقق تلك الآمال والطموحات طالما لم تتغير الرؤية الاقتصادية ، فما الذي تغير في الاقتصاد ؟ لا جديد 0.!! ولماذا ؟ ، لانه ليس لدي سلطة الحكم القائمة إرادة للاتجاه نحو التغيير ، والدلالات متعددة 0. أولا: السياسات الاقتصادية هي ذات السياسات الممتدة منذ 4.عاماً والتي تعتمد علي ناتج القطاعات الريعية مثل البترول والغاز ، والخدمات (قناة السويس / السياحة /الخدمات المالية/خدمات الاتصالات / الانشطة العقارية ) . اما قطاع الصناعة ففيما عدا صناعات الحديد والأسمنت والكمياويات والأسمدة والتي لا نملك فيها ميزة تنافسية فان الباقي من قطاع الصناعة فهو اما صناعة تجميعية تعتمد علي الخارج ، او صناعة منتجات مثل السيراميك والبورسلين او السجاد . بينما تم اهدار صناعة الغزل والنسيج ذات القيمة المضافة والمزايا النسبية لمصر ، ومزاياها التشغيلية والاجتماعية كما لا يكفي انتاج الصناعات الغذائية الاستهلاك المحلي ، ونعتمد علي الاستيراد ولا نستثمر في الزراعة التي تحوز علي اقل من 3% من الاستثمار العام . ولذلك تعتمد الموارد العامة في مصادرها الرئيسية علي الضرائب التي يرد اكثر من 80% من حصيلتها من البترول وقناة السويس (المملوك للدولة ) والضرائب علي ارباح شركات القطاع العام المملوكة للدولة والضرائب كذلك علي ارباح الشركات الاخري التي تملك فيها الدولة مساهمات، بالاضافة الي الضرائب علي اجور ومرتبات العاملين !! اما المورد الثاني من موارد الدولة فهو من فوائض البترول والغاز وقناة السويس والبنك المركزي وبعد ذلك نتوجه الي الاقتراض ، لنسدد منه أقساط القروض المستحقة ، ويتم تغطية عجز الايرادات عن المصروفات العامة . ولذلك تتسم السياسات المالية باستهداف " تثبيت الوضع المالي "فقط ولا تتمكن من ملاحقة التضخم فهي تقتصر علي إدارة حزمة من الحسابات والجداول والمؤشرات، ويصبح دورالدولة هو جمع الضرائب المقررة وإمساك الدفاتر..! والاقتراض لسد عجز الموازنة وفي الوقت نفسه تخشي من اعادة هيكلة النظام الضريبي لينال من الثروات الضخمة التي تراكمت بغطاء قانوني او غير قانوني لدي الأقلية المسيطرة في المجتمع . 0.ذلك هو الكيان الاقتصادي والمالي القائم بإيجاز أما نواتجه الاجتماعية فهي ما نحياه في كل مستويات الحياة في مصر وهو ما لا نحتاج إلي تفصيله وبيانه . ثانياً : سياسة الانفاق العام (نفقات الأجور والدعم والمصروفات العامة ، والاستثمار ) لا تعبر عن أي توسع اقتصادي في تجاه تنشيط التشغيل وزيادة استهلاك العاملين والفقراء للسلع الاجتماعية (السكن / التعليم/الصحة) بشكل اساسي وبما يعني الارتقاء بمستوي معيشتهم وقدراتهم. علي العكس ، فالنفقات العامة التي تمت زيادتها في الموازنة العامة تمت فقط لمواجهة ارتفاع الأسعار العالمية للسلع الغذائية التي نستوردها من خلال حلقات تجارية تزيد من عبء تكلفة الاستيراد ! ، وكذلك لزيادة دعم الطاقة المستخدمة لصناعات الأسمنت والحديد وغيرهما بينما ، لا يمثل دعم الطاقة للسلع الشعبية (البوتاجاز- بنزين 8.- الكهرباء ) الا القسم الاقل كثيراً من قيمة دعم الطاقة بل تم خفض دعم السلع التموينية !! هذا غير دعم تعثر الهيكل المالي لهيئة البترول 0.!! ولا تعليق 00!! . وأخيراً وفي اطار سياسة الترضية للعاملين تتم زيادة (حافز الاثابة) واعتماد "حقنة مسكنة " لأصحاب المعاشات00!! ثالثاً : اذا كان الاقتراض سياسة مالية معترفا بها فلا مانع طالما يتم استخدامه في مشروعات استثمارية للصناعة أو الزراعة تزيد القيمة المضافة الحقيقية للاقتصاد وتحقق الموارد المالية الحقيقية، ولكن ان يصبح الاقتراض هو الحل لسداد أقساط القروض السابقة 00!! وترتفع فاتورة الفوائد لتمثل ما لا يقل عن 60% من عجز الإيرادات عن المصروفات ، وهو عبء يتزايد من عام لاخر فإن النتيجة هي تهديد الكيان المالي للدولة . 0.تلك هي بعض من صورة السياسة الاقتصادية القائمة والممتدة من سياسات النظام السابق (القائم) تمارسه سلطة الحكم ، بدعوي انها (انتقالية) لكن الأمور لم تعد تحتمل ، ولابد من نظام اقتصادي جديد يرتكز علي رؤية اقتصادية اجتماعية تقدمية تستثمر القدرات الكامنة في ثروات البلاد وانتاجية العمل وترتقي بكفاءة الإدارة الاقتصادية ولن يتحقق ذلك الا بتأسيس إئتلاف للاقتصاد والتنمية العادلة من الاتحادات العمالية ، والفلاحية ، والنقابات المهنية ومنظمات التنمية المحلية والحقوق الإقتصادية والاجتماعية ، وليعمل هذا الائتلاف من اجل اقرار تلك الحزمة من السياسات الاقتصادية البديلة التي تعمل لصالح بناء وتثبيت القواعد المادية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تحتوي مصالح الفئات الاجتماعية العاملة والمنتجة في الارتقاء بمستوي ونوعية الحياة ، وهنا يتعين ان ترتكز تلك السياسات علي ثلاثة توجهات رئيسية . الأولي: بناء القدرة الاقتصادية اي استعادة الاقتصاد الحقيقي في الزراعة والصناعة وتصحيح هيكل التجارة الخارجية لصالح الارتقاء بمكونات الاقتصاد الوطني وبمعادلة متكاملة فيما بين قطاعات هذا الاقتصاد حتي تتكون القاعدة الماديه للتنمية . الثاني : رفع الكفاءة المالية اي اعادة هيكلة الموارد ، والنفقات والكشف عن الامكانيات الكامنة لرفع حجم الايرادات العامة ، والتخلص من كل اهدار في النفقات العامة ويتضمن ذلك اعادة توجيه ودراسة مضمون هذه النفقات ، كما يتطلب بناء المعايير والنماذج المالية لحسابات تكاليف النشاط الانتاجي والنشاط الخدمي في كل قطاعات الاقتصاد وباستهداف تأهيل الاقتصاد الوطني للمنافسة علي الصعيدين الاقليمي والدولي . الثالث : التوزيع العادل للناتج القومي أي ما يعرف بالتوزيع الوظيفي ، بهدف كفالة التكافؤ والعدالة فيما بين عوائد الملكية والعمل ، وباستهداف زيادة نصيب عوائد العمل الناتج عن انتاجية ما لا يقل عن 80% من المشتغلين بالنشاط الاقتصادي . لا بديل عن نظام اقتصادي جديد عادل تقدمي يكون قادراً علي استثمار تلك القدرات الهائلة الكامنة في محتوي الكيان الاقتصادي المصري ، وعلي رأسها مكونات الثروة الطبيعية والبشرية التي تم هدر أقسام إمكاناتها لعقود طويلة ، بفضل التبعية لسياسة رأس المال الدولي والنهب والاهدار والتسيب واستبعاد التخطيط واعتماد السياسات الوقتية. لقد آن الاوان لبناء سياسات اقتصادية جديدة لصالح الشعب الذي يريد العدل والشفافية وفي ظل حكم رشيد يلتزم بالتنمية لصالح الطبقات المتوسطة والشعبية وفي سبيل التخلص من وصمة الفقر وانعدام القدرة التي تلقي بظلالها الكئيبة علي 40% من شعبنا المجاهد المبدع فهل نبدأ في تأسيس الجمعية العمومية الممثلة للشعب المصري في ائتلاف "الاقتصاد والتنمية العادلة " ؟