اعتصام سوسو.. وفيفي.. وزيزي! اعتصام سوسو.. وفيفي.. وزيزي هو صورة بالكربون لما يجري علي الساحة السياسية من محاولة توظيف المظاهر الدينية لأهداف دنيوية. أحدث اعتصام علي الساحة السياسية.. هذه الأيام.. هو اعتصام فيفي.. وسوسو.. وزيزي.. المضيفات الجويات بشركة مصر للطيران.. للمطالبة بارتداء الحجاب أثناء العمل.. فوق السحاب.. وأن تظهر كل واحدة أمام الركاب من كل الملل والجنسيات كممثلة للإسلام! وكانت فيفي.. وسوسو.. وزيزي قد تزعمن إضراب المضيفات الجويات في الشهر الماضي للمطالبة بزي جديد يتضمن ارتداء الحجاب أثناء العمل.. ووافقت شركة مصر للطيران علي تغيير الزي الذي يميز مضيفات الشركة المصرية في عواصم العالم، وقامت بتكليف إحدي الشركات المتخصصة بإعداد الزي الشرعي تلبية لرغبة فيفي.. وسوسو.. وزيزي.. ومعهن العشرات من الراغبات في الحجاب.. من المضيفات الجويات. وأعدت الشركة المتخصصة الزي الجديد.. بالحجاب.. ووافقت عليه شركة مصر للطيران.. إلا أنه لم يعجب فيفي وسوسو وزيزي.. وقررن رفضه.. ودعوة الشركة المتخصصة في تصميم الأزياء.. لإعداد زي جديد.. يتفق مع مقاس ومقام وقوام.. المرأة المصرية.. ولا يمت بأدني صلة لقوام زميلتها الأوروبية أو الآسيوية أو حتي الأمريكية. نحن لنا ثقافتنا.. ولنا ديننا.. ولنا قوامنا أيضا.. وهو قوام كان يصفه وزير الطيران السابق أحمد شفيق بأنه قوام أشجار الجميز.. ويقول أحد كبار المسئولين في مصر للطيران.. إن طلب فيفي وسوسو وزيزي برفض الزي الرسمي للشركة لا يتفق مع صحيح القانون.. ومع ذلك فقد حاولنا قدر المستطاع تحقيق رغباتهن لأن العقود التي وقعناها مع فيفي وسوسو وزيزي وزميلاتهن من المضيفات تنص علي عدم ارتداء الحجاب أثناء العمل. ويقول المسئول الكبير إنه علي الرغم من هذه العقود التي تلزم المضيفات بارتداء الزي الذي تحدده الشركة.. فإننا قمنا بتعديلات جوهرية تضمنت ارتداء الحجاب.. ولكنه لم يعجبهن.. الأمر الذي أدي للاعتصامات التي يقمن بها أمام مبني ماسبيرو.. هذه الأيام! وقال المسئول إن الزي الرسمي لأي شركة طيران.. هو مسئولية الشركة.. وليس مسئولية المضيفة.. والموافقة علي ارتداء الزي هو جزء أساسي من الموافقة علي قبول الوظيفة. ومعني الكلام أن شركة الطيران هي التي تحدد الأزياء التي يرتديها كل موظف وعامل بها.. بناء علي مواصفات تنافسية مع الشركات الأخري أو بناء علي شعار الشركة والألوان المستخدمة في هذا الشعار أو وفق ما تراه مناسبا. وبالتالي فإن اختيار أزياء الشركة.. لا يحدده الموظف بالشركة بناء علي معتقداته الخاصة.. أو وفق هواه الشخصي. ومع ذلك.. فإن شركة مصر للطيران قد قامت تحت ضغط الحالة الاستثنائية التي نمر بها.. وما صاحبها من ضغوط وتنازلات تمس هيبة النظام السياسي.. بالموافقة علي تعديل الزي الذي تضعه المضيفة الجوية فوق جسدها.. أثناء تحليق الطائرة فوق السحاب.. ومع ذلك فلم توافق المضيفات علي الزي الجديد المقترح.. وقررن الاعتصام من جديد حتي يتم الاتفاق بينهن علي الزي المناسب للقوام المناسب. ومعني الكلام أن المطلوب في زي المضيفة الجوية.. أن يقرأ كل من تقع عينه عليها سورة الفلق.. كي يحفظها الله من عيون الحاسدين.. وأن يناديها الركاب بكلمة «يا حاجة».. وهي تتهادي في مشيتها فوق الممر الضيق حيث يجلس الرجال بشواربهم ولحاهم يحدقون فيها.. وهي تقدم لكل واحد منهم وجبة العشاء في أطباق علي الطريقة الافرنجية.. وعندما ينتهي الواحد منهم من الطعام تقول له «بالهناء والشفاء» فيجيب عليها بقوله «الله يهنيك».. يا حاجة! المهم.. أن فيفي وسوسو وزيزي.. خرجن من بيوتهن إلي ما سبيرو ورفعن اللافتات الآتية: الخطوط الجوية البريطانية.. لا عربية.. ولا إسلامية وسمحت بالحجاب! الحجاب للمضيفة الجوية يزيدها أناقة (!!) لا ضيافة جوية.. بلا حجاب! وكان المفهوم من الاعتصام.. أن تظهر المضيفة في مطارات العالم كممثلة للإسلام.. فلا تلبس من الثياب ما يصف، وما يشف عما تحته من الجسد.. ومثله ما يحدد أجزاء البدن.. وبخاصة مواضع الفتنة منه مثل الثديين.. والخصر.. والإليه.. ونحوها.. وأن ذلك لن يتحقق إلا بالحجاب.. الذي يعصمها من جند الشيطان الذين قد يلعبون بها في عواصم العالم.. لعب الصبية بالكرة. في الوقت الذي أبدي فيه البعض رأيا مخالفا.. يتلخص في سعي المضيفات الجويات لتوفير الجهد الذي تبذله كل واحدة منهن في غسيل شعرها.. عدة مرات في اليوم الواحد.. وتصفيفه.. والاكتفاء بما يحققه الحجاب من ستر ما تحته من أنتن رائحة وأقذر مكان.. وفق المقولة الشائعة «التي لا تغسل شعرها تتحجب.. والتي لا تستحم تتنقب» وهو كلام ينطوي علي مبالغات من الخطأ تعميمها.. وليس ذلك موضوعنا. نحن نتحدث عن المضيفة الجوية التي تهتم بنظافتها الشخصية.. ونظافة الوجه والأظافر.. وهي مصدر شكاوي الراكب الأوروبي من عدم اهتمام بعض المضيفات بنظافة الأصابع والأظافر وتفوح منها أثناء الحركة.. رائحة العرق. أعود لموضوعنا.. وهو اعتصام المضيفات الجويات أمام مبني ماسبيرو للمطالبة بأن يكون الحجاب هو الزي الرسمي للمضيفة الجوية المصرية.. فأقول إنه من المثير للدهشة أن تطالب المضيفات الجويات بالزي الإسلامي الذي يعصمهن من الغواية وتحريك قلوب الرجال إلي تعاطي أسباب الزنا.. في الوقت الذي تسافرن فيه علي متن الطائرات إلي الخارج.. وحدهن.. وبغير محرم في الوقت الذي قال فيه الرسول - صلي الله عليه وسلم: لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم، ولا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها محرم»! فالمسألة ليست قضية زي إسلامي وقال عليه الصلاة والسلام «رب كاسية في الدنيا، عارية في الآخرة». وكان الأولي بفيفي وسوسو وزيزي.. إذا كن يتمسكن حقا بالشريعة الإسلامية وديننا الإسلامي الحنيف أن تمتنعن عن السفر إلي الخارج.. بغير محرم.. لأنه ليس من المنطقي أن تتحول الشريعة لطاولة من المبادئ والقيم نختار منها ما نشاء.. ونغض الطرف عن جوهر هذه الشريعة.. فنسافر بغير محرم.. ونخالط الغرباء من الرجال ثم نطالب شركة مصر للطيران بتغيير الزي الرسمي للشركة بما يسمح لنا بارتداء الحجاب.. كمظهر للتمسك بالشريعة دون مراعاة الجوهر.. وهو تحريم سفر المرأة بغير محرم. يضاف إلي ذلك أن الشريعة الإسلامية قد حددت الحالات التي يجوز للمرأة أن تعمل فيها.. وليس من بينها الضيافة الجوية.. سواء بالحجاب أو بغيره.. ويتفق الفقهاء علي أن الضيافة الجوية والسفر بغير محرم والإقامة في الفنادق ليست من الإسلام الذي حدد للمرأة المجالات التي يجوز أن تعمل بها.. وهي أن تقوم بما تقوم به مثلها في بيت زوجها وأسرتها من طبخ وعجن وكنس وغسل ملابس.. وسائر أنواع الخدمة.. والتعاون التي تناسب الأسرة.. ولها أن تقوم بالتدريس والبيع والشراء والصناعة من نسيج وصبغ وغزل وخياطة ونحو ذلك.. إذا لم يفض إلي ما لا يجوز شرعا من خلوتها بأجنبي واختلاطها برجال غير محارم.. اختلاطا تحدث منه فتنة.. أو يؤدي إلي فوات ما يجب عليها نحو أسرتها دون أن تقيم مقامها من يقوم بالواجب عنها ودون رضاهم. وغني عن البيان القول بأن المضيفة الجوية تخاطب الرجال.. وهذا لا يصح ولا يجوز.. لأن كلام بعض النساء يحدث فتنة. خلاصة الكلام.. أن نزول المرأة للعمل في مجال الضيافة الجوية بحجة مقتضيات العصر، ومتطلبات الحضارة.. هو أمر خطير جدا.. علي حد قول العلماء من أرباب العمائم الكبيرة.. وأن له تبعاته الخطيرة وثمراته الشرعية التي تأمر المرأة بالقرار في بيتها والقيام بالأعمال التي تخصها في بيتها وحده. بيد أن اعتصام.. فيفي وسوسو وزيزي أمام ماسبيرو للمطالبة بالحجاب الشرعي أثناء السفر بغير محرم والاختلاط بالغرباء من الرجال مع قص شعر الحواجب.. هو الوجه الآخر لما نشهده هذه الأيام من مظاهر التدين الكاذب.. الذي بات من سمات الشهور الأخيرة بعد اندلاع الحالة الثورية المجيدة في 25 يناير الماضي. فاعتصام سوسو وفيفي وزيزي.. هو صورة بالكربون لما يجري علي الساحة السياسية.. من محاولة توظيف المظاهر الدينية من أجل الوصول لأهداف دنيوية لا تمت للدين الإسلامي بأدني صلة. خذ مثلا موضوع الدولة الدينية الذي تدعو إليه العشرات من الفصائل الدينية التي تتنازع المساجد.. وتتنازع ثمرات الحالة الثورية باعتبارها من الغنائم، يحدث هذا في الوقت الذي تواجه فيه وزارة الأوقاف مشكلة في صرف المرتبات ل 300 ألف داعية إسلامي.. ومنحهم مكافآت تيسر لهم نفقات الحياة الدنيا.. كي يقوم كل واحد منهم بتأدية رسالته الرئيسية وهي نشر الدعوة الإسلامية الصحيحة. وهؤلاء الدعاة.. لا يزرعون ولا يحصدون.. ولا ينتجون وهم يتناولون الطعام الذي يأتيهم بجهد فئات أخري في الداخل والخارج.. ولا أحد يعرف.. هل هذا حلال.. أم حرام؟! والحل؟! لم تفكر وزارة الأوقاف في إعادة تأهيل هؤلاء الدعاة.. لإتقان مهن تساعد علي نهضة الأمة وتحسين الأوضاع المالية المتدهورة.. وإنما لجأت إلي فكرة فريدة أعلنها الشيخ سالم عبدالجليل وكيل وزارة الأوقاف.. وهي دعوة رجال الأعمال لإخراج الزكاة للأئمة والدعاة وتخصيص صندوق زكاة للأئمة والدعاة لمساعدتهم علي تحمل أعباء الحياة في ظل تدني أجورهم.. وأعرب عن أمنيته في أن يحصل كل داعية علي راتب شهري يعادل مرتب رئيس تحرير صحيفة الإحرام.. وهو عشرة آلاف جنيه! فإذا كان هذا هو الحال.. ونحن لا نزال علي البر... ولم نقتحم بعد عباب البحر المتلاطم الأمواج.. فما بالك ونحن مقدمون علي عصر جديد تتبادل فيها الشعوب المنافع والمصالح.. وفق ما تحققه كل دولة من رفاهية لكل مواطن يعيش علي أرضها بصرف النظر عن الدين أو العقيدة.. أو كثافة اللحية.. ومقاس الجلباب الذي يضيق عند المؤخرة. هل سنلجأ لصناديق الزكاة لتصنيع سيارة مصرية؟ هل سنلجأ لصناديق الزكاة لإقامة محطات الطاقة الشمسية؟! والإجابة هي: أن العبرة بالتقدم الذي يحرزه النظام السياسي.. ومستوي الدخل.. ومستوي المعيشة.. وأرقام الإنتاج.. والتصدير.. وقدرة الشعب علي اختيار حكامه ومناقشتهم في القضايا السياسية بما لا يسمح بتكفيره.. وفصله عن زوجته، وأن تقف الدولة علي مسافة واحدة من كل الأديان.. بما يكفل لكل مواطن حقه الطبيعي في ممارسة دينه. والطريف في الموضوع أن دعاة الدولة الدينية التي تعتمد علي المظهر دون الجوهر.. يمارسون نفس المنطق الذي تنتهجه سوسو وفيفي وزيزي في المطالبة بالحجاب والسفر إلي الخارج بلا محرم. لون القطة لا يهم.. المهم هو قدرتها علي أداء مهامها وهي اصطياد الفيران.. ولنا في التجربة التركية عبرة.. إذ حققت تركيا العلمانية تقدما لم تحرزه الدول التي تخرج فيها فيفي وزيزي وسوسو للمطالبة بارتداء الحجاب وكما قال رئيس الوزراء التركي أثناء زيارته الأخيرة للقاهرة لا تعني اللادينية.. وإنما تعني احترام كل الأديان. غني عن البيان القول بأن اعتصام سوسو وفيفي وزيزي.. بدعوي الحجاب الرسمي.. لم يكن له سوي هدف واحد.. وهو أن يناديها جيرانها ومعارفها بلقب «يا حاجة»!