تاريخيا..وقف الإخوان المسلمون ضد الديموقراطية والحقوق الاجتماعية يرتدي المرء قناعا ليتخفي إن كان في حفل تنكري، ولكن لماذا ترتدي بعض الجماعات أقنعة في عالم السياسة؟ لماذا يتنكرون منكرين حقيقتهم؟ لابد أنهم يفعلون ذلك لأنهم يبطنون ما لا يستطيعون إعلانه. كانت جماعة الإخوان المسلمين قبل ثورة يوليو 1952 جزءا أصيلا من خندق أحزاب الأقلية السياسية، أحزاب السعديين والدستوريين ومصر الفتاة والحزب الوطني، الأحزاب المتحالفة مع الاستعمار والخندق المعادي تماما للحركة الوطنية والمعادي تماما لكل أشكال الديمقراطية، وشكلوا عام 1946، في عنفوان الحركة الوطنية بقيادة اللجنة الوطنية للطلبة والعمال، اللجنة القومية بتعليمات مباشرة من إسماعيل صدقي باشا رئيس الوزراء أكبر ديكتاتور في زمانه، ومن أخلص أصدقاء الاستعمار وكانت تلك اللجنة القومية المعادية للحركة الوطنية الديمقراطية، بقيادة مصطفي مؤمن زعيم الإخوان في الجامعة، كانوا العصا الغليظة الفاشية الإرهابية ضد الشباب الوطني، كما كانوا في خدمة أصحاب الأعمال، بحجة أن هؤلاء هم أولي الأمر، الذين يتوجب طاعتهم وعدم الوقوف ضدهم. أي أن مواقفهم كانت معادية للوطنية والديمقراطية والحقوق الاجتماعية، وعندما جاءت ثورة 1952 التصقوا بها، وأيدوا بحماس فائق كل إجراء اتخذته معاديا للديمقراطية، كانوا كالعهد بهم أعداء ألداء للحياة الحزبية والتعددية وكانوا يرون أن التعددية تفرق شمل المسلمين، الذين يجب أن يتحدوا وراءهم وحدهم باعتبارهم حزب الله وكل من غيرهم جند في حزب الشيطان قد تصاعدت طموحاتهم للاستيلاء علي السلطة، كانوا هم القوة الوحيدة التي سمحت لها الثورة بشرعية التنظيم، غير أن النظام الناصري كان شديد الحساسية لمسألة وجود بديل يمكن أن يزيحه من السلطة، فاصطدم رجال 23 يوليو بهم، فحاولوا قتل عبدالناصر، كما قتلوا القاضي الخازندار من قبل عندما اصطدموا بالسلطة القضائية وسجنت البعض منهم، وكما قتلوا محمود فهمي النقراشي باشا رئيس الوزراء، عندما اصطدم بهم وحل جماعتهم، كانت السلطة قبل 23 يوليو زمن الملكية، وبعد 23 يوليو زمن الناصرية، تعمل علي استخدام جماعة الإخوان في خدمتها، لكنها ما كانت تسمح لها أبدا بإزاحتها والحلول محلها وهكذا كلما تعاظم شأنهم، سعوا إلي إزاحة أصحاب الفضل عليهم، بالقتل أو إشاعة الفوضي انقض عليهم هؤلاء السادة وملأوا بهم السجون والمعتقلات ولم يكونوا أصحاب فكر يصطدم وطرحت في المقابل دولة مدنية ديمقراطية عصرية، لا دولة دينية ولا دولة عسكرية.. ذلك هو طريق مصر، وتلك هي الإرادة الشعبية الحقة التي عبرت عنها ثورة 25 يناير، لا إبقاء علي ما هو كائن ولا عودة إلي وراء، وصدمت قيادة الجماعة كما صدمت قيادة النظام، لقد جاءت الثورة بعيدا عما كانوا يتوقعون، وتعامل النظام معها باستهانة، وتعاطت معها قيادة الإخوان بحذر، فالحركة ليست من تدبيرها، والجماهير ليست جماهيرها والشعارات ليست شعاراتها، وهي قد اعتادت هبات سرعان ما تخمدها هراوات الدولة. وهم إن وقفوا معها، فقد خرجوا تماما علي قواعد اللعبة مع النظام، وألقوا بأنفسهم إلي التهلكة، فآثروا اتخاذ موقف المراقب حتي بدا واضحا أن النظام في طريقه إلي الانهيار وأن الثورة في طريقها للانتصار، فأسرعوا يلحقون بالركب، وارتدوا علي الفور قناع الثورة، لم يكن عالم الثورة عالمهم الحقيقي، كان مع الحزبية والتعددية وتبادل السلطة والحريات السياسية، بالديمقراطية كما يجب أن تكون، كان الثوار ينطلقون من إرادتهم هم لا من إرادة السمع والطاعة وعلي الكل أن ينفذ دون سؤال أو جواب، إرادة السمع والطاعة والتي تقوم تماما علي نفي إرادة الآخرين داخل الجماعة وخارجها، كما طالبت الثورة بالعدالة الاجتماعية، وكل ذلك لا مكان له في برنامجهم الحقيقي، إن كان لهم برنامج، والتقطوا هم كل تلك البرامج وصنعوا منها أقنعة تخفوا وراءها، كان عليهم أن يسايروا الثورة ليخترقوها محاولين الوصول إلي دفنها، وخدمتهم وسائل الإعلام، خاصة المرئي منها، ومازال بها نفوذ النظام البائد فانطلقوا يتحدثون كأعتي المدافعين عن الديمقراطية، بدوا وكأنهم صنع الثورة، ودافعوا عن الإرادة الشعبية التي لا تتسق وزعمهم السابق أنهم رسل العناية الإلهية لتنفيذ إرادتها في عالمنا «الجاهلي» هذا، ويذكرني دفاعهم عن الإرادة الشعبية بدفاع مبارك عن محدودي الدخل، والذين كان ذكره لهم يعني أنه مازال يتذكرهم للإجهاز عليهم، الديمقراطية عند قيادة الإخوان مطية سخرها الله لهم ليمتطوها حتي السلطة، ثم تجازي جزاء سنمار ويلقي بها في النار لأنها بدعة كما فعل أخوتهم في السودان وغزة، وأخيرا جاء قناعهم الأكبر، حزب وضعوا عليه اسما اقتبسوه من شعارين من شعارات الثورة وإمعانا في الديمقراطية عينته قيادة الجماعة من ساسة إلي رأسه، عينته من القيادة إلي القاعدة، حزب بدأ حياته السياسية بديمقراطية السمع والطاعة، أو تمام يا أفندم. أما الأخوة السلفيون الوهابيون، فقد واصلوا دورهم الذي قاموا به قبل الثورة، بعد الثورة، يبدو أنهم لم يدركواما كان يجري، فهاجموا الثورة لأنها هاجمت المبارك مبارك وقاتلوا بشراسة في الأيام الأولي مع كل قوي النظام كالأمن المركزي وأمن الدولة، غير أن الدولة الدينية، وارتفع علم الوهابية السعودية وأنزل علم مصر، واحترقت كل الأقنعة، وبدا ائتلاف الدولة الدينية واضحا للعيان، يعلن بلا مواربة عن صورة محتملة لمستقبل البلاد. ولا تقف الأقنعة عند هذا الحد، فهنالك رجال النظام البائد، خبراء الأقنعة الكاذبة عبر ستين عاما، والذين ألقوا بأقنعتهم القديمة، فقد زال زمانها، مؤقتا علي الأقل، وارتدوا أقنعة جديدة، ثورية للغاية، مضحية للغاية، منافقة للغاية كالعهد بها. وهكذا تواجه الثورة إخطارا فادحة، فبدلامن قيامها تحقيقا للتغيير إلي أمام، اخترقتها وهددتها قوي التغيير إلي وراء. إن المخرج الذي يمكن أن يشعل شمعة أمل في كرنفال الأقنعة هذا، هو تنسيق حقيقي وفوري بين كل القوي الوطنية الديمقراطية المستقبلية، قوي الليبراليين واليساريين والقوي المستنيرة دينيا، وكل القوي الشريفة التي لاتزال تقف علي الحياد، تراقب، إن مستقبل أبنائها وأحفادها، بل مستقبل وطنها كله يواجه خطرا داهما، يجب أن يتشكل هذا الخندق حماية للثورة ولمستقبل مصر، مع وضع كل الخلافات الأيديولوجية والمذهبية والفكرية جانبا، فالخوض فيها الآن ترف ذهني، يجب الالتقاء حول برنامج تفصيلي قدر ما يسمح الاتفاق حول شعارات الثورة الثلاثة الكرامة، الحرية والعدالة أي تحقيق الديمقراطية والعدالة الشعبية والعدالة الاجتماعية تحت شعار، «من أجل مصر دولة ديمقراطية عصرية مستقبلية».