ظلت الأقاليم الثقافية خلال الثلاثين عاما الماضية بعيدة عن اهتمامات المؤسسة الرسمية - في مصر- ، رغم وجود «الهيئة العامة لقصور الثقافة» والتي اهتمت بالكم دون الكيف، وبالشكل دون الموضوع، فأصبحت الثقافة التي تخرج من الفروع الثقافية المختلفة في المحافظات ثقافة غير مكتملة وغير ناضجة، والأدباء الذين يخرجون من الأقاليم ويبرزون، ليس عن طريق نوادي الأدب أو قصور وبيوت الثقافة وإنما عن طريق جهدهم الفردي ومحاولاتهم الدؤوبة لتقديم منتجهم الإبداعي عن طريق الحفر في الصخر والمضي في الطريق الصعب والصرف من قوت يومهم القليل حتي تخرج إبداعاتهم إلي النور. ودائما كانت هناك نظرية «المتن والهامش» و«المركز والفرع» بما يعتريها من إقصاء وتهميش الكثير من المواهب الابداعية التي يضيع منها الكثير في الطريق. وهي نظرية مغلوطة إذا نظرنا إلي الأسماء البارزة في العالم من الأدباء والمثقفين، فمعظمهم جاء من الأطراف لا من العاصمة، فالعواصم- عادة- لا تنتج إبداعا بل تقوم بدور المستقبل والمروج، وكثير من الأدباء الحاصلين علي جائزة نوبل يعيشون في مدن صغيرة يكتبون عنها وينشرون فيها، وتتسابق أجهزة الإعلام في الوصول إليهم. بعكس الحال عندنا، حيث يظل الأديب الذي يقطن في قريته أو مدينته الصغيرة يكتب حتي آخر قطرة من دمه دون أن يلقي أدني اهتمام أو تكريم. بالتأكيد نحن بحاجة إلي تغيير تلك المنظومة الخاطئة التي حولت الفعل الثقافي إلي تجارة يستفيد منها متوسطو الموهبة من أصحاب المصالح والنفوذ. ولن يتم التغيير إلا بإعادة هيكلة الثقافة المصرية بإعادة بنائها من جديد من خلال تفتيت المركزية الثقافية بإقامة ورش إبداعية يشارك فيها المثقفون من الأجيال المختلفة، وزيادة الوعي الأدبي لدي أدباء الأقاليم الذين لا يصل إليهم المنتج الأدبي المناسب الذي ينمي مواهبهم- لذا نري كثيرا من هذه التجارب- مكررة ومعادة. كذلك تزويد مكتبات الأقاليم بآخر ما وصل إليه الأدب العالمي من نظريات نقدية حديثة وتقنيات فنية، ولا يقتصر الأمر علي منشورات وزارة الثقافة المصرية فقط. فالإصلاح يبدأ من قاعدة المثلث لا من رأسه.