أكد د.فرج عبد الفتاح أستاذ الاقتصاد ..عضو اللجنة الاقتصادية لحزب التجمع ضرورة تغيير السياسة الاقتصادية التي تنتهجها مصر خلال الثلاثين عاما الماضية بعد أن ثبت فشل القطاع الخاص في قيادة التنمية، ودعا إلي الأخذ بالنظام المختلط الذي يجمع ما بين الدولة كفاعل منتج وقوي داخل السوق، وهذا النموذج لا يمانع من وجود القطاع الخاص الوطني الذي يعمل لصالح المجتمع ويؤمن بالمسئولية الاجتماعية لرأس المال. وأضاف في حواره مع الأهالي" أن تغيير الأشخاص في وزارة د. عصام شرف ليس كافيا. وإنما المطلوب تغيير جوهري في السياسات الاقتصادية بما يحقق مطالب ثورة 25 يناير الاقتصادية والاجتماعية. رغم مرور أكثر من ستة أشهر علي ثورة 25 يناير فإن المواطن المصري لم يشعر بأي تحسن علي المستوي الاقتصادي .. فما تفسيركم لذلك؟ لم يشعر المواطن العادي حتي الآن بأي تغيير أو تحسن علي المستوي الاقتصادي بعد ثورة 25 يناير، بل إن البعض يتساءل بعد مرور6 أشهر علي الثورة، والتي قادها الشباب، وسالت دماء الشهداء فيها عن جدوي هذه الثورة نتيجة استمرار الأوضاع علي ما كانت عليه أيام حكم الرئيس السابق حسني مبارك والحزب الوطني، فحكومة د.عصام شرف- التي جاءت من ميدان التحرير، والمفترض أنها تعمل لصالح أهداف الثورة والشعب المصري بشكل عام -لم تقم بأي تغيير ملحوظ علي مستوي السياسة الاقتصادية التي كان ينتهجها الحزب الوطني, بالرغم من أن هذه السياسات الاقتصادية كان أحد أهم أسباب اندلاع الثورة الشعبية في 25 يناير، وكان من المفترض تعديلها فورا. تغيير أشخاص لكن تغيير السياسات يحتاج إلي بعض الوقت... وهنالك تغيير وزاري جديد.. فما السياسات المطلوب تغييرها؟ في البداية تغيير الأشخاص أو الوزراء في حكومتي د.عصام شرف الأولي أو الثانية ليس هو المحك الأساسي، وإنما لابد من تغيير السياسات التي تتبعها الحكومة، خاصة السياسات الاقتصادية، فتغيير السياسات هو الأساس، فضلا عن ضرورة رقابة ومتابعة تنفيذ السياسات الجديدة، وهذا جوهر الموضوع. فحكومة د. شرف كانت تضم عددا من الوزراء ينتمون للسياسات السابقة سواء فكريا أو تنظيما أو كانوا أعضاء في أمانة السياسات في الحزب الوطني الذي صدر قرار بحله، وتغيير هؤلاء الوزراء أمر مهم للغاية في مسألة التغيير لكن الملاحظ أن التغيير اكتفي فقط بتغيير الأشخاص، دون محاولة تغيير السياسات، بل إن الحكومة في تصريحاتها المستمرة تؤكد علي استمرار السياسة الاقتصادية التي كان الحزب الوطني يطبقها والمعروفة بالاقتصاد الحر أو آليات السوق. سياسة جديدة تطالب بتغيير السياسة الاقتصادية .. فما السياسة المقترحة؟ السياسة بوجه عام ماهي إلا تعبير عن فكر ومخطط.. وتأتي السياسة لترجمة هذا الفكر وإبراز هذا المعتقد، وإذا نظرنا إلي التجربة المصرية منذ توقيع معاهدة كامب ديفيد وحتي الآن نجد أن مصر احتضنت النموذج الرأسمالي، ويبلور ذلك في توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي عام 1991 علي مذكرة تفاهم تم بموجبها إسقاط 50 بالمائة من الديون المصرية الخارجية، وبموجب هذا الاتفاق اعتنقت مصر سياسات اقتصادية غير مواتية للمجتمع المصري. فوصفة صندوق النقد الدولي ثبت فشلها ليس في مصر فقط، بل داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية، وبدأ هذا الفكر في التراجع بعد أن شهدت الولاياتالمتحدةالأمريكية الأزمة المالية العالمية عام 2008، وظهرت العديد من الآراء التي تنتقد هذا الفكر. وبالتالي، فإن طبيعة المجتمع المصري والمرحلة التي يمر بها الآن تقتضي البحث عن نظام اقتصادي وسياسة اقتصادية تعبر عن اعتناق النموذج المختلط الذي يجمع ما بين الدولة كفاعل منتج وقوي داخل السوق، وهذا النموذج لا يمانع من وجود القطاع الخاص الوطني الذي يعمل لصالح المجتمع ويؤمن بالمسئولية الاجتماعية لرأس المال، وكنا نتوقع من حكومة د. عصام شرف تطبيقها منذ اليوم الأول لتوليه المسئولية. قيادة الدولة معني ذلك أن تقوم الدولة بقيادة التنمية بدلا من القطاع الخاص؟ لابد من استبعاد فكرة قيادة القطاع الخاص للتنمية في مصر والذي ثبت فشله في قيادة التنمية خلال الفترة الماضية لأسباب عديدة ترجع إلي طبيعة تكوين الطبقة الرأسمالية المصرية،فالتنمية في مصر تستوجب قيادة الدولة للتنمية مستندة إلي العدالة الاجتماعية. وهنا أشير إلي أن الرأسمالية في الدول الغربية قادت الثورة الصناعية في أوربا، لكن السياق في مصر مختلف، فالرأسمالية المصرية تسعي إلي الربح السريع، بل في حالات كثيرة حل الريع- تسقيع الأراضي- محل الربح، وغاب الدور الاجتماعي للرأسمالية المصرية. وهنا يجب أن أشير إلي أن اقتصادنا لابد أن يقوم علي المشاركة الشعبية، فإذا نظرنا إلي طبقات المجتمع، نجد أن 50 بالمائة فقراء، و40 بالمائة يمثلون الطبقة الوسطي و10 بالمائة أغنياء ومن خلال هاتين الطبقتين المتوسطة والغنية يمكن تجميع المدخرات الوطنية، واستثمارها في مشروعات وطنية تحقق النفع العام للمجتمع. نظرة انتقائية وكيف يمكن تطبيق هذه السياسة الجديدة؟ هناك عدة مستويات يمكن من خلالها تطبيق السياسة الجديدة، المستوي الأول علي المدي القصير، ويمكن التعبير عن أهداف هذه الفترة من خلال الموازنة العامة للدولة، بحيث تراعي بالفعل تعبئة الموارد والمدخرات الوطنية، ونحفزها علي الدخول في مجال الاستثمار هذا من ناحية، ومن ناحية أخري،كنا نتوقع ترشيد الإنفاق العام ومراعاة العدالة الاجتماعية بإعادة هيكلة هذا الإنفاق، والتفاصيل كثيرة ومتنوعة في هذا المجال، وليس من المعقول القول أن هناك سياسة انكماشية علي الإطلاق، أو سياسة توسعية علي الإطلاق، وإنما لابد من النظرة الانتقائية في بنود الموازنة العامة للدولة،وتحديد أي منها يحتاج إلي تقشف، وأي منها يحتاج إلي توسع في إطار نظرة شاملة لتحقيق أهداف ثورة 25 يناير. ومن ناحية أخري، فإن تهيئة الظروف المناخية تعد أهم الشروط اللازمة لتهيئة مناخ اقتصادي ملائم للانتقال من الفترة القصيرة إلي الفترة المتوسطة من خلال طرح مشروعات تنموية إنتاجية في مجالات متعددة ومنها المجال الصناعي والزراعي والخدمي، علي أن تكون هذه المشروعات في شكل شراكة بين المال العام والمال الخاص، فضلا عن طرح مشروعات قائدة تستوعب جزءا كبيرا من البطالة في المجتمع، وطرح هذه المشروعات في تقديري يمثل مفتاح حل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي يعاني منها المجتمع المصري حاليا. التنافسية كيف يمكن للاقتصاد في ظل الطرح الجديد أن يحقق التنافسية؟ لابد من الاهتمام بالبحوث العلمية والاعتماد علي العلم خاصة في المجال الصناعي، وهو الأمر الذي سيمكن الاقتصاد المصري علي الأجل الطويل من أن يحقق التنافسية،كما حدث في اقتصادات جنوب شرق أسيا والتي يطلق عليها الدول الصناعية الجديدة. الموازنة الجديدة نعود مرة أخري إلي الموازنة العامة للدولة.. ألا تجد أنها مطابقة لموازنات الحزب الوطني ؟ أتت الموازنة العامة للدولة الجديدة في كثير من بنودها مطابقة لما كان يقدمه الحزب الوطني، الأمر الذي أثار غضب ثوار التحرير والشعب المصري بصفة عامة، ولا أجد غرابة في تقديم مثل هذه الموازنة طالما كان القائمون عليها من أعضاء الحزب الوطني الذي تم حله بحكم قضائي. فرغم أن الموازنة استهدفت تحقيق محورين رئيسيين ، وهما مراعاة البعد الاجتماعي وتنشيط معدلات النمو الاقتصادي والحفاظ علي عجز الموازنة العامة للدولة في الحدود الآمنة، فإن القراءة المتأنية لما ورد من تقديرات مالية مطلوب تحقيقها خلال العام المالي القادم ، لا يقدم أي دليل علي إمكانية تنفيذ المحورين، فالحديث عن العدالة الاجتماعية كمحور أساسي تقوم عليه الموازنة العامة لم يتحقق بالمرة، فتقدير حد أدني للأجور لم يصاحبه تقدير حد أقصي، كما أن الاختلال في الأجور مازال قائماً. فتحديد هذا الحد الأدني دون الأخذ في الاعتبار تحديد حد أقصي هو أمر يكرس لمفهوم عدم العدالة. ومن ناحية أخري هل مبلغ 700 جنيه هو حد أدني كافٍ للعاملين بالجهاز الإداري بالدولة، أم أن هذا المبلغ لا يكفي موظفا لديه زوجة وطفل واحد، إن المطلب الأساسي والذي كانت تنادي به القوي السياسية منذ ثلاث سنوات تقريباً هو 1200 جنيه ومع ارتفاع الأسعار خلال السنوات الثلاث السابقة أصبح مبلغ 1200 جنيه غير كاف كحد أدني للأجور، بل يجب تعديله في ضوء الارتفاعات المتتالية للأسعار التي شاهدتها الأسواق المصرية في السنوات الثلاث السابقة. تراجع كذلك الحال بالنسبة للتراجع عن فرض ضريبة علي الأرباح المتحققة من التداول في بورصة الأوراق المالية، إذ أن الاعتراضات التي قدمت في هذا السياق ركزت علي أن المستثمر في بورصة الأوراق المالية يمكن أن يواجه بخسارة مثلما يواجه بتحقيق أرباح، كما أن الربح المتحقق هو ربح علي المستندات. هذه هي أهم الاعتراضات التي قدمت ، وصاحبتها مؤشرات بتراجع أداء بورصة الأوراق المالية، وأري في هذا السياق أن المعالجة لم تكن كافية وكأن المطلوب إثارة مشكلات دون أن تكون هنا مشكلات، حتي يتم القضاء علي الفكرة. إن الفكرة ببساطة شديدة هي ضرورة تصفية الخسائر التي تلحق بالمستثمر مع أرباحه المتحققة وفي نهاية العام إذا كان هناك صافي تحقق فعليا (أي بعد البيع وقبض الثمن) ففي هذه الحالة يمكن فرض ضريبة علي صافي هذه الأرباح، ذلك معمول به في كثير من المجتمعات، وليس بدعة يبتدعها الاقتصاد المصري.هذه بعض الملاحظات السريعة عن الموازنة. و في النهاية، نأمل في الحكومة الجديدة وشباب ثورة 25 يناير أن يستطيعوا ترجمة أهداف الثورة في سياسات وبرامج اقتصادية تراعي التنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية بدلا من ترديد نغمة معدلات النمو، لأن هناك فارقاً كبيراً بين معدلات النمو وعمليات التنمية.