هل ينجح أردوغان في تشكيل ائتلاف لصياغة دستور جديد حقق حزب السلام والديموقراطية أكبر الأحزاب الكردية أكثر النسب فوزا في تاريخها بالبرلمانات التركية المتعاقبة وذلك في الانتخابات البرلمانية التي جرت في 12 من يونيو الجاري ، اذ حقق مرشحوه البالغ عددهم 36 فوزا ساحقا ، بفضل تحالف عريض ومتنوع ضم الي جانب الحزب طيفا سياسيا كرديا و يساريا واسعا ، اذ أيدته كل من الأحزاب الكردية "الحقوق والحريات "والمشاركة الديموقراطية وحزب العمال الاشتراكيين اليساري التركي ممثلا بزعيمه عبدالله لفنت الذي فاز كمستقل وانضم الي كتلة الحزب الكردي المذكور "السلام والديموقراطية "الي جانب المرشح التركي المسيحي ايرول دورا كأول نائب مسيحي في البرلمان التركي منذ تأسيس الجمهورية التركية ، كما فاز من المرشحين الأكراد شخصيات بارزة في عالم الفن والصحافة وهي شخصيات معروفة في التاريخ النضالي اليساري ككاتب السيناريو والمخرج التليفزيوني سيري أندرو والصحفي ارتوعول كوركشو أحد رموز الحركة الطلابية اليسارية عام 1968 ، وهو ما أدي في المجمل لتغيير سريع في نغمة وخطاب رئيس الوزراء رجب الطيب اردوغان السياسي ، في التمهيد لأجواء سياسية جديدة ، اذ أعلن عن قراره بالغاء كل الدعاوي القضائية التي أقامها ضد خصومه من السياسيين والصحفيين قبل وبعد الانتخابات ، وهي خطوة يراها معلقون وسياسيون قد تمثل أصداء ايجابية علي خلفية نزعة التسلط وكراهيته للصحافة المعارضة والذي يعكسه واقع اعتقال 60 صحفيا في السجون التركية. وبينما يري البعض الأخر من صفوف المعارضة هذه الخطوة كونها مناورة لتمرير مشروع الدستور الجديد لتغيير نظام الحكم السياسي في تركيا من برلماني الي رئاسي بعدم حصول الحزب الحاكم علي أغلبية مطلقة تتطلب تأييد ثلثي البرلمان للدستور الجديد ، ووجود 325 نائبا له ، في ظل تمثيل لليمين القومي المتطرف "حزب الحركة القومية "54 نائبا ، وحزب الشعب اليساري التوجه ممثلا بعدد 109 من النواب ، مما يطرح علي الحزب الحاكم ضرورة الحصول علي تأييد 5 نواب من الأحزاب البرلمانية لتمرير مخطط تغيير الدستور وحتي يمكن طرحه من قبل البرلمان علي استفتاء شعبي ، وفي استباق لأي مفاوضات قادمة بين الكتلة الكردية والحزب الحاكم ، وعلي خلفية اعلان الزعيم الكردي عبدالله اوجلان المعتقل زعيم حزب العمال الكردستادني لهدنة بين الجناح العسكري للحزب والجيش التركي ، حددت الكتلة البرلمانية الكردية "السلام والديموقراطية الخطوط العريضة لموقفها من مشروع الدستور الجديد في عدة نقاط :أولها النص علي اقامة حكم ذاتي للمناطق الكردية مع الاعتراف باللغة الكردية لغة رسمية ، وثانيها تغيير معالم المواطنة بالدستور الجديد ، وثالثها اطلاق الحريات بدون قيود وتخفيض النسبة الشرطية 10% لدخول البرلمان ، ورابعها الافراج عن معتقلي وأسري الحركة القومية الكردية مع انهاء الحملات العسكرية للحيش التركي ضد مواقع عناصر حزب العمال الكردستاني .. وأيما كان فترة استجمام رئيس الوزراء الحالية بعد عناء الحملة الانتخابية ، فان الكثير من الملفات بانتظاره في برلمان متعدد الطيف السياسي . منذ خروج حزب العدالة والتنمية ممثل التيار الديني الحاكم في تركيا من الانتخابات البرلمانية في حالة عجز عن طرح مشروع دستور جديد علي استفتاء شعبي بسبب حصوله علي 326 مقعدا برلمانيا بدلا من 330 مقعدا ضرورية لتمكينه من التوجه لهذا الاستفتاء الشعبي ، تحسس خصومه الخطر والخوف من استخدامه لكل الأساليب في الترغيب والترهيب لسرقة أربعة مقاعد من تعداد مقاعد نواب المعارضة للأحزاب الثلاثة الممثلة برلمانيا ، ولأنه يدرك صعوبة اتفاق أومساومات مع العلمانيين الممثلين في حزب الشعب الجمهوري ، والقوميين الأكراد الممثلين في حزب السلام والديمقراطية ، والقوميين الأتراك الممثلين في حزب الحركة القومية لليمين المتطرف ، لجأ الحزب الحاكم لاستخدام اللجنة العليا المركزية المشرفة علي الانتخابات ، في الطعن علي مقعد النائب الكردي خطيب ديكل عن دائرة ديار بكر استنادا الي خضوعه لتحقيقات نيابية في الاتهام بانتمائه الي التنظيم السياسي "اتحاد المنظمات الكردية "الذي يصفه الحزب الحاكم كونه التيار المعبر عن حزب العمال الكردستاني المحظور نشاطه ، وأصدرت اللجنة العليا للانتخابات قرارها باسناد مقعد الدائرة الي مرشحة الحزب الحاكم المنافسة والخاسرة أوريا أورنات التي توفي ابنها في هجوم مسلح لعناصر حزب العمال عام 2008 ، وبذلك يصبح عدد نواب الأكراد 35 بعد أن كانوا 36 ، وليتحول عدد نواب الحزب الحاكم الي 326 نائبا، وتشتد حملة هجوم وردود أفعال الحركة الكردية علي قرار تجريد نائبهم من مقعده ، وتتعالي صيحات التنديد الكردي باتهام التيار الديني الحاكم بادخال البلاد مجددا في دائرة الفوضي والعنف ، ويتساءل حزب السلام والديمقراطية الكردي في مؤتمراته وبياناته عن سر ومغزي اقدام القضاء التركي علي منع النائب المجرد من مقعده من الترشيح وخوض الحملة الانتخابية ، ويتوقع الكثير من المراقبين والمحللين تأثير عكسي لهذه الخطوة علي الديمقراطية التركية ، نظرا لوجود 5 نواب أكراد أخرين فائزين علي شاكلة النائب الكردي المشار اليه في اتهامهم بالانتماء الي تنظيم "اتحاد المنظمات الكردية " وبالتالي استيلاء الحزب الحاكم علي مقاعدهم الخمسة لصالحة نظرا لكونه المرشح المنافس للأكراد في مناطق جنوب والجنوب الشرقي لتركيا ، ولانعدام المنافسة مع العلمانيين والقوميين الأتراك في هذه المناطق . من هنا يطرح حزب السلام والديمقراطية الكردي أخر ورقة كخيار أخير في الصدام مع التيار الديني الحاكم ، في عملية تفعيل المادة 78 من الدستور القائم والتي تنص علي أنه في حالة استقالة 5 % من مجمل تعداد نواب البرلمان ، أي ما مجموعه 28 نائبا ، يتوجب الدخول في اجراء انتخابات فرعية بدوائرالنواب المستقيلين لملء الفراغ البرلماني الناشب ، وهو خيار لوح به الأكراد كمحاولة استباقية لتعطيل الخطط السياسية للحزب الحاكم .