أعداء الدستور من أغرب الأمور أن يقال إن الدعوة لوضع دستور ديمقراطي الآن.. هو «التفاف علي الإرادة الشعبية»!! كما لو كان الدستور يتعارض مع الإرادة الشعبية التي يدعي البعض أنهم يتحدثون باسمها! وكما لو كانت رغبة مواطنين في أن يكون لهم دستور.. اليوم قبل الغد.. انتهاك للإرادة الشعبية، رغم أن الدستور هو التعبير الأول والترجمة الصحيحة للثورة الشعبية.. والإرادة الشعبية. نحن نعرف أن حسني مبارك أو أنور السادات أو غيرهما من الحكام في العهدين الملكي والجمهوري.. لم يولد..و أي منهم، ديكتاتورا، ولكنهم وجدوا دساتير جاهزة في انتظارهم تحتشد بالمواد التي تجعل من أي حاكم.. طاغية يتمتع بسلطات غير محدودة، تضعه فوق كل مساءلة أو حساب. وأكبر خطر يهدد ثورة 25 يناير أن دستور 1971 مازال علي قيد الحياة، بدليل وجود أكثر من أربعين مادة من مواده في الإعلان الدستوري القائم الآن. ووفقا لهذا الإعلان سوف تنقل اختصاصات رئيس الجمهورية- في دستور 71 - إلي رئيس الجمهورية القادم الذي سيجد في انتظاره نفس السلطات الواسعة التي تجعل منه ديكتاتورا جديدا يحل محل الديكتاتور السابق. هذا هو ما حدث رغم أن الثورات تسقط الدساتير التي استخدمها الحكام السابقون في قمع شعوبهم. ولا يوجد ضمان، في أي وقت، لانتهاء حكم الفرد المطلق سوي مواد دستورية راسحة تحمي حقوق وحريات المواطنين وتقيد سلطة الحاكم إلي أبعد الحدود. وكان من المفترض أن إلغاء دستور 71 ودفنه هو أول خطوة صحيحة للرد علي جريمة دستور 71، الذي كان .. في مجمله.. مؤامرة ضد الشعب، وتم فرضه عن طريق استفتاء مزور كما أن أعضاء اللجنة التي شكلها السادات لوضعه وصياغته تنصلوا من أي علاقة لهم بالدستور الذي طرحه السادات للاستفتاء. وضع دستور جديد يلغي آثار وخطايا مؤامرة دستور 71 .. إجراء ضروري يرد للشعب اعتباره. وكل يوم يمر بعد ثورة 25 يناير دون أن يتوافر الضمان لإنهاء حكم الفرد- السبب الأول للفساد- يهدد بعودة الديكتاتورية. والتشبث برفض وضع دستور ديمقراطي في أسرع وقت، والتعبير عن هذا الرفض بطريقة عصبية ومتشنجة إلي حد الزعم بأن المطالبة بالدستور «عبث بإرادة الأمة» يشكل إهانة للأمة ويحملنا علي الاقتناع بأن البعض لا يرغبون - أصلا- في أن يكون لنا دستورا غير «دستور» السمع والطاعة، ولا يريدون تقييد سلطة الحاكم المقبل ولا يريدون برلمانا حقيقيا يختلف كثيرا عن البرلمانات السابقة.