خاض الأطباء المصريون إضرابين باسلين علي صعيد مصر كلها شارك فيها أكثر من ثلاثة أرباع المستشفيات في كل المحافظات يومي 10 و17 مايو الماضي وراء أربعة شعارات رئيسية تتعلق بعزل وزير الصحة ورموز الفساد في الوزارة، ومضاعفة الإنفاق الحكومي الصحي ثلاث مرات لكي يصل إلي 15% من الإنفاق الحكومي، وتحديد هيكل عادل للأجور في مصر بحد أعلي وحد أدني ونسبة معقولة بينهما مع ربط الأجور بالأسعار مع وضع الأطباء بالموقع الذي يستحقونه في هذا الهيكل، وتوفير الأمن في المستشفيات وأصدرت لجنة الدفاع عن الحق في الصحة البيان ولا يأتي مطلب تخصيص ميزانية 15% من الإنفاق الحكومي اعتباطا، فهذا هو واقع الأمر في الدول المحترمة حتي غير المتقدمة، والذي وقعت عليه مصر مع قادة أفريقيا في إعلان أبوجا. إن هذا هو الشرط الضروري لجودة الخدمة والذي يقتضي توفير مقوماتها، وبهذا المطلب يرفض الأطباء عمليا الدعاوي الفاسدة التي رفعت شعارات جودة الخدمات الصحية ستارا لدعم الخصخصة وفصل التمويل عن الخدمة بتحويل وحدات تقديم الخدمة الحكومية إلي شركات ربحية قابضة وتابعة! كما يأتي تبني الأطباء لمطلب هيكل عادل للأجور في المجتمع انطلاقا من فهمهم لأن الطب الحديث هو طب الفريق الطبي بكامله، ولا يمكن ضمان ممارسة طبية جيدة برفع أجور الأطباء وحدهم مع ترك التمريض وجميع العاملين في المجال الطبي تحت خط الفقر الذي يشتركون فيه حاليا مع الأغلبية الساحقة من الأطباء أنفسهم! وستظل الشعارات التي خاض الأطباء الإضراب من خلالها وكذلك الطريقة الحضارية المنظمة للقيام بذلك الإضراب مع التركيز علي ضمان توفير الرعاية الطبية لكل الحالات الطارئة والحادة (الفشل الكلوي وحضانات الأطفال مرضي الرعاية والاستقبال والجراحات الطارئة)- سيظل كل ذلك علامة بارزة في تاريخ نضال الأطباء والنضال المصري من أجل حق الشعب في الصحة وحق الأطباء وكل العاملين في المجال الطبي في حياة كريمة. نضال الأطباء ولا ينتقص من أهمية وبسالة نضال الأطباء أن السياسات المالية في الموازنة العامة للدولة جاءت مخيبة لآمال جميع المواطنين بانحيازها ضد العدالة الاجتماعية وإصرارها علي مجاملة الكبار ورفض مطالب الشعب والسير علي السياسات المالية القديمة. فالموازنة تنحاز لكل الفئات ذات الدخل المرتفع فترفض وضع حد أقصي لإجمالي الأجور الذي يصل للملايين شهريا، كما ترفض زيادة الشرائح العليا من الضرائب وتقترح -رغم التردد في هذا أيضا- زيادة طفيفة من 20% إلي 25% رغم أنه في الولاياتالمتحدةالأمريكية زعيمة العالم الرأسمالي وذات الضرائب الميسرة عن غيرها من تلك الدول تبلغ أعلي شريحة لضرائب الدخل فيها 37% كضريبة فيدرالية يضاف إليها من 7 إلي 8% ضريبة للولاية! كما يظهر ذلك التحيز ضد الشعب في تواضع نصيب الصحة من الإنفاق الحكومي حيث زاد نصيب وزارة الصحة وحدها من الإنفاق الحكومي من 3.9% إلي 4.6% بدلا من مضاعفتها ثلاث مرات! وترفض الحكومة في الموازنة الجديدة تنفيذ حكم المحكمة بحد أدني للأجور 1200 جنيه وبدلا من ذلك تقترح 700 جنيه حدا أدني للأجر الشامل! وبهذا ترفض الحكومة زيادة الأجور التي تحتسب عليها العلاوات والمعاشات، وتتهرب من إقرار رفع الأجور وراء حجة بطرس غالي القديمة برفع البدلات أو الأجر المتغير، وتواصل الادعاءات بأن البند لا يسمح وكأن الثورة المصرية بجلالة قدرها لا تجرؤ علي تغيير لوائح وبنود! وقد خبرنا جيدا في الماضي كيف أن زيادة الأجور عن طريق البدلات تتيح دائما للحكومة التهرب من تطبيقها في حالات كثيرة، ليس أقلها أثناء الأجازات وعدم احتسابها في المعاش، بل أيضا بعدم صرفها لعدم توافر البند!! ولهذا طالبنا بدمج الأجر المتغير بالأساسي وعدم زيادة البدلات عن 20% من هذا الأجر! ارتقاء وعي الأطباء لقد أشعل الأطباء شرارة لمطالب حق الشعب في الصحة المندمج في حق العاملين في المجال الصحي في أجور تكفل حياة كريمة، وعدم تحقيق تلك المطالب في حلقة واحدة يعود لتخلف الحكومة عن مطالب الثورة في إقرار العدالة الاجتماعية. ولعل هذا هو ما يدفع الأطباء إلي التمسك بحصاد نضالهم المتمثل في ارتقاء وعي الأطباء بمطالبهم، وتنظيم أنفسهم في لجان قادت إضرابا ناجحا علي طول وعرض مصر من سيناء لمطروح ومن أسوان للإسكندرية، وتزايد وعي شعبنا المصري بعدالة مطالب الأطباء التي تحتضن حقهم في الصحة وحق الجميع في الحياة بأجور تتخطي حد الفقر. وعلي الأطباء التوجه والتلاحم مع جميع قطاعات الشعب صاحبة الحق الأصيل في العلاج وفي المرتبات العادلة لكي يتابعوا النضال سويا من أجل تلك المطالب المشتركة. العصا في المنتصف من حق وواجب جميع المصريين المطالبة بميزانية تنحاز للتعليم والصحة باعتبارهما جناحي التنمية، كما أن من حقهم رفع مطالب حد أدني للأجور أعلي من حد الفقر، وحد أقصي للأجور يضع حدا للفساد الحالي، مع ربط الأجور بالأسعار وزيادتها سنويا بنسبة التضخم غير العلاوات الدورية. وإذا كان ميزان القوي الحالي يوضح أن أنصار سياسات الفساد يتضمنون قيادات التخطيط البيروقراطية في الوزارات التي ترفض التنازل عن امتيازاتها الظالمة ولا تقر أي نسبة بين الحد الأدني والأقصي للأجور، ولا تحد من البدلات ولا تتصدي للفساد المتمثل في الصناديق الخاصة غير الداخلة في الموازنة العامة للدولة وبالتالي غير الخاضعة لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات، كما يوضح ميزان القوي الحالي انحياز المجلس العسكري ومجلس الوزراء للإمساك بالعصا من المنتصف وعدم الاستجابة لمطالب الثوار العادلة فإن تغيير ميزان القوي بمواصلة الضغط الشعبي عبر المليونيات وعبر التوعية وأشكال الحركة الجماهيرية المختلفة للضغط من أجل الظفر بكل المطالب!