حروب التبشير في التاسع من يوليو القادم، يحل الموعد النهائي لإعلان دولة جنوب السودان المستقلة، طبقا لاتفاقيات السلام التي تم توقيعها في نيفاشا الكينية في العام 2005، ومع اقتراب الموعد تفجرت من جديد قضية «أبيي» المتنازع عليها بين شمال السودان وجنوبه، بعد قيام قوات من الجيش السوداني بالسيطرة عليها، وإعلان قيادات حزب المؤتمر الوطني الحاكم في الخرطوم، عن أنها منطقة شمالية وستبقي شمالية، وأن الجيش السوداني لن ينسحب منها، وذلك بعد أن رفضت الحكومة السودانية تمديد فترة عمل قوات الأممالمتحدة بالمنطقة، والتي ينتهي عملها بانقضاء الفترة الانتقالية في التاسع من يوليو القادم يوم إعلان دولة الجنوبالجديدة. ولم يكد يمضي أسبوعان علي هذه الخطوة التي أثارت اعتراضات دولية من هيئة الأممالمتحدة والدول الأوروبية الراعية لاتفاق نيفاشا في هيئة «الايجاد» والولايات المتحدةالأمريكية، حتي اندلع قتال أهلي بين القوات المسلحة السودانية، وقوات الجيش الشعبي التابع لحكومة الجنوب في ولاية جنوب كردفان، في أعقاب فوز «أحمد هارون» أحد العناصر الملاحقة من قبل المحكمة الجنائية الدولية، بتهم ارتكاب جرائم حرب في دارفور بمنصب والي الولاية، في مواجهة مرشح الحركة الشعبية «عبد العزيز الحلو» مما أدي إلي نزوح نحو أربعين ألفا من بين مليون نسمة هم سكان الولاية، إلي الجنوب، مع استمرار تبادل الاتهامات بين قوات الحركة، وقوات الجيش السوداني بالمسئولية عن اندلاع القتال، وتشريد مئات الآلاف من النازحين، وهدم القري والمنازل، وتحطيم البنية التحتية للولاية بالكامل. النتائج المترتبة علي ذلك متوقعة، فأهالي جنوب النوبة، يسعون للمطالبة بالحماية الدولية من قصف القوات السودانية، وهم يلوحون باللجوء إلي الأممالمتحدة، ومحكمة لاهاي الدولية، لما يقولون إنه تطهير عرقي يمارس ضدهم في جنوب كردفان وجبال النوبة، لكي يتم وقف القتال بالقوة طبقا للبند السابع من ميثاق الأممالمتحدة، ومن جانبه، سعي الاتحاد الإفريقي إلي احتواء الأزمة التي تهدد بعودة الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب مرة أخري، وبعدما فشل الاتحاد في عقد مفاوضات بين الطرفين داخل السودان، نقل المفاوضات التي بدأت أمس الثلاثاء بين الرئيس السوداني عمر البشير ورئيس حكومة الجنوب «سلفا كير» إلي العاصمة الإثيوبية أديس أبابا بهدف الاتفاق علي كيفية إنهاء الخلاف بين الطرفين، بشأن قضيتي «أبيي» و«جنوب كردفان»، وبقية القضايا المتعلقة بترسيم الحدود بين الدولتين، وتقاسم عائدات النفط وديون السودان. في كردفان أعلن «أحمد هارون» عن أن الشراكة مع الحركة الشعبية في الولاية قد انتهت، وهو ما ينطوي ضمنا، علي إصرار حكومة الخرطوم علي إنهاء الأزمة في الإقليم عن طريق الحسم العسكري، وفي أديس أبابا، وافق «البشير» علي سحب الجيش السوداني من منطقة «أبيي» قبيل التاسع من يوليو القادم، علي أن تحل قوة إثيوبية محل قوات حفظ السلام الدولية. في الدوحة، مازالت تتعثر مفاوضات السلام بين الحكومة السودانية، والفصائل المسلحة في دارفور، بعد ما يقرب من عامين علي المفاوضات، وهو ما يعني أن المفاوضات لا تسير في الاتجاه الصحيح، وأنها عاجزة عن تلبية طموحات الأطراف المشاركة فيها، وفي شمال كردفان يسود التململ والتوتر والاستعداد للمواجهة، ونذر تجدد الحرب بين الشمال والجنوب، إذا لم يتم التوصل إلي اتفاق سلمي لإنهاء الخلاف في منطقتي «أبيي» وجنوب كردفان، ماثلة للعيان. إصرار الرئيس «البشير» علي الاستقواء بالحلول الأمنية، وبالحروب لمشاكل سياسية مستوطنة، سوف يفضي إلي تمزيق شمال السودان، بعد انفصال جنوبه وما يجري في «دارفور»، وجنوب كردفان وجبال النوبة والانفستا وأبيي، هو نتيجة منطقية لاتفاقيات هشة لم تكن تحظي بإجماع وطني، واعتمدت علي اتفاقيات ثنائية لا امتداد لها في أرض الواقع، ولا فائدة منها سوي بقاء نظام الحزب الواحد ذي التوجه الديني في السلطة وهيمنته علي الحياة السياسية، وهي صيغة يتجاوزها الزمن، وتطيح بنظائرها الثورات العربية في الإقليم، وعلي الرئيس «البشير» أن يتعلم من رأس الذئب الطائر، فإما يقود إصلاحا يعيد بناء السودان دولة ديمقراطية حديثة بمعايير دولية، وإما أن يفرض عليه التغيير فرضا، إذ لا طريق ثالثا بينهما.