منذ تأسيس جماعة الاخوان المسلمين في عام 1928 حتي تأسيس حزب سياسي لهم بعد ثورة 25 يناير 2011 حدثت تطورات كبيرة في مصر والعالم . تغيرت سياسات دول واوضاع بلدان ووقعت حربان عالميتان (1914-1918 وبعدذلك في 1939 الي 1945) . خاضت مصر حروبا اربع مع اسرائيل. خاضت الولاياتالمتحدة حروبا ضد كوريا وضد فيتنام وكوبا وضد العراق وافغانستان ولاتزال الحربان الاخيرتان مستمرتين ولا تعرف الولاياتالمتحدة علي وجه التحديد متي تنسحب من هذه او من تلك . كذلك فقد تفكك الاتحاد السوفييتي ومنظومة الدول الاشتراكية التي كانت تحيط به . وعلاوة علي هذا انتقلت الصين الي نظام جديد لم تجرب في اي دولة اخري يجمع بين النظام السياسي الشيوعي ونظام السوق الحرة الاقتصادي . ودخلت كتلة من الدول في أمريكا اللاتينية عهدا يساريا جديدا تطبق فيه نظام الاشتراكية سياسيا واقتصاديا . ويمكن ان نظل نرصد التغيرات التي طرأت علي العالم خلال هذه السنوات التي تخطت الثمانين فلا نجد مساحة تكفي لعرض كل منها في سطور قليلة . مع ذلك فان جماعة الاخوان المسلمين - وبالطبع الحزب الذي انبثق منها مؤخرا- بقيت علي مبادئها ذاتها كما اعلن عنها مؤسسها حسن البنا دون اي تغيير يذكر . وقد نقول ان هذا يرجع الي الطبيعة الدينية للجماعة واهدافها . ومع ذلك فاننا ندرك ان دولة الفاتيكان الكاثوليكية تغيرت خلال هذه الفترة وتغيرت اهتماماتها واهدافها واصدرت بذلك مراسيم وبيانات مطولة تشرح ذلك تكيفا مع الظروف العالمية المتغيرة . ومع ذلك ايضا فاننا يمكن ان نلاحظ ان جماعة الاخوان لم تبق فقط علي مبادئها واهدافها كما هي دون تغيير بالتعديل او الحذف او الاضافة ، بل انها ابقت علاقاتها مع بريطانيا والولاياتالمتحدة كما هي طوال تلك السنوات . بريطانيا التي كانت وقت تأسيس الجماعة هي الدولة الامبريالية الاولي والقوة الاعظم في العالم ،وكانت الدولة التي تحتل مصر آنذاك . والولاياتالمتحدة التي ورثت من بريطانيا هذا المركز باعتبارها الدولة صاحبة السيطرة الاكبر علي الشئون العالمية الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية والثقافية . في ايامنا هذه - التي تخوض فيها ثورة 25 يناير المصرية صراع بقاء مصيري - نلمح بالتأكيد علامات ومؤشرات تدل علي ان الاخوان المسلمين يتصرفون ويتكلمون كمن يشعر بانه يقترب من تولي السلطة في مصر ما أن تكون الفترة الانتقالية قد انتهت . وقد يبدو هذا امرا طبيعيا . فقد كانت الجماعة تتطلع الي هذه الغاية طوال بقائها . ويبدو لها الآن ان فرصة الثورة تمثل اللحظة الانسب للسيطرة وتسلم الحكم لتطبيق المبادئ نفسها المعلنة منذ عام 1928. لكن ما يدعو للدهشة حقا ان الولاياتالمتحدة ، التي رصدت حركة الاخوان المسلمين منذ نشأتها ولم تكف عن ذلك في اي وقت ، يحدوها الشعور نفسه بأن الاخوان المسلمين اقتربوا كثيرا من السلطة وان ذلك الاقتراب يفرض علي الولاياتالمتحدة ان تعلن - وهذا ما اعلنته بالفعل بلسان وزيرة الخارجية هيلاري كلنتون : ان أمريكا مستعدة للتعاون مع جماعة الاخوان المسلمين اذا صعدت الي السلطة . ان الولاياتالمتحدة ترقب عن كثب التطورات التي اطلق عليها وصف الربيع العربي والتي بدات بثورة تونس ثم ثورة مصر . وتلاحظ تصاعد الاسلام السياسي في المنطقة . وقد كتب معلقون أمريكيون عديدون عن ضرورة التزام الحذر ازاء صعود فرص التيار الديني في المنطقة العربية الي السلطة وتراجع فرص التيار الليبرالي . ولكن الادارة الأمريكية لم ترد ان تتخذ مثل هذا الموقف الحذر انما آثرت التأكيد بانها مستعدة لتقبل وصول الاخوان المسلمين الي الحكم وفي مصر علي وجه التحديد . وقد حمل هذا المعارضة الجمهورية في الكونجرس الأمريكي بمجلسيه الي اتخاذ موقف مناوئ لموقف الادارة الديمقراطية ، ولكن الخبرة الطويلة بالسياسة الخارجية الأمريكية تؤكد ان الموقف الأمريكي كما تعبر عنه الادارة اذا كانت جمهورية ماكان ليختلف عن الموقف الديمقراطي ، كما ان موقف المعارضة ما كان ليختلف لو كانت المعارضة ديمقراطية . الصفقة الواقع ان الاخوان المسلمين لم يقطعوا ابدا صلاتهم مع القوي السياسية الأمريكية وبالمثل فان القوي السياسية الأمريكية حرصت دائما - حتي في اكثر اوقات دعمها لنظام حسني مبارك - علي ان تبقي علاقاتها مع الجماعة . بل ان الادارة الأمريكية السابقة (ادارة جورج بوش الابن الجمهورية التي كان يسيطر عليها تيار المحافظين الجدد ) اوصت حكومة مبارك في انتخابات مجلس الشعب المصري عام 2005 بان يعقد صفقة مع الاخوان المسلمين تعطيهم المركز الثاني والمؤثر في المجلس ، ونفذت حكومة مبارك هذه النصيحة الأمريكية وعندما جاء وقت انتخابات مجلس الشعب التالية في عام 2010 كان الكيل قد فاض بمبارك وحكومته وبرلمانه فقرران يقلب الموازين تماما وأخرج الاخوان من المجلس ظنا منه ان ذلك لن يغضب ادارة باراك اوباما الديمقراطية . وكان احد الاكاديميين الأمريكيين المتخصصين في شئون الشرق الاوسط - وهو مارك لينش قدم في اواخر عام 2007 عدة نصائح للاخوان نشرت في مجلة فورين بوليسي الأمريكية . تلخصت نصائح لينش في ذلك الوقت في اربع :ان تؤكد الجماعة التزامها الواضح بالعملية الديمقراطية - ان لا تختلف تصريحات الجماعة التي تصدر بالعربية عن تلك التي تصدر مترجمة بعد ذلك الي الانجليزية - ان تعمل الجماعة كقوة اسلام معتدل وضد التطرف وضد الارهاب - ان تتبني الجماعة الديمقراطية في اجراءاتها الداخلية . ( جريدة الشروق في 11/5/2011). تحالف قديم بعد ذلك بايام ( في 2/6/2011 اجرت صحيفة الاهرام حوارا مع الباحث البريطاني مارك كيرتس كشف فيه ان العلاقات السرية لبريطانيا مع الاخوان المسلمين تعكس تواطؤا بريطانيا مع الاسلام المتشدد. وقال "ان الملفات القديمة توضح ان الانجليز والملك فاروق كانوا ينفذون في الاربعينيات من القرن الماضي استراتيجية واحدة . فقد بدأ الانجليز في تمويل الاخوان المسلمين بشكل مستتر عام 1942" . واضاف كيرتس انه "في فترة الخمسينيات خلال فترة حكم جمال عبد الناصر كان الوضع مختلفا فقد اعتبرت بريطانيا ان الاخوان حليف تكتيكي يمكن استغلاله في الضغط علي النظام خلال المفاوضات بشان انسحاب بريطانيا من قواعد قناة السويس ." ولم تمض ايام قليلة اخري حتي كان معهد واشنطن لسياسات الشرق الادني (ذو الولاء التام الشامل لاسرائيل) يعقد مؤتمرا تعلن فيه الباحثة الأمريكية روبين رايت ان "خريطة الشرق الاوسط عام 2016 ستكون اكثر ديمقراطية واكثر اسلامية." وقالت ايضا ان السلام بين مصر واسرائيل " قائم حتي اذا وصل الاخوان الي الحكم ."(الشروق 4/6/2011). وهذه الامثلة المتلاحقة زمنيا والتي تعكس التفكير الغربي بشان نتائج يمكن ان يؤدي اليها صعود الاخوان الي السلطة في مصر - وبعد ذلك وربما نتيجة ذلك - تدل بصورة واضحة علي ان نغمة الحذر الي حد الخوف في العالم الغربي من صعود التيار الاسلامي وبصفة خاصة الاخوان المسلمين الي السلطة لا يمثل الاتجاه العام للتفكير السياسي في الغرب . وإذا كان هذا ناتجا عن شيء فهو ناتج بالدرجة الاولي عن استمرار الاتصالات بين جماعة الاخوان المسلمين والغرب الأمريكي والاوروبي ، مع اهتمام خاص من جانب الجماعة بالاتصالات مع القوي السياسية الأمريكية وجماعات المعلقين والباحثين في مراكز الدراسات المؤثرة في التوجيه السياسي للادارات المتعاقبة . كما لا يمكن اغفال ما يبدو من اطمئنان اللوبي الاسرائيلي القوي في الولاياتالمتحدة الي استمرار الاوضاع علي النحو الذي يهم اسرائيل في مصر وفي المنطقة ككل في حالة ما اذا صعدت جماعة الاخوان الي السلطة . لهذا يحرص الاخوان علي ابلاغ المسئولين الأمريكيين باستيائهم في حالة عدم دعوتهم الي اللقاءات التي يعقدها وزراء أمريكيون او نواب او اعضاء في مجلس الشيوخ عندما يزورون مصر وقد تلقوا وعودا من السفارة الأمريكية بعدم تكرار هذا الاغفال من الان فصاعدا .