أمس شيعْتني ووقفت علي الباب منتظرا خطوات المعزين لكن شائنة الوقت مرت وظل السرادق متسعا والمقاعد فارغة فعدلت من كفني وارتحلت!! هكذا رثي نفسه الفنان والشاعر والرسام والكاتب الصحفي أحمد إسماعيل الذي غاب عن عالمنا قبل أيام، وترك فراغا هائلا، عرفته قبل عشرين عاما في جريدة الأهالي.. ساخرا ضاحكا مبهجا.. كنت استمع يوميا إلي نوادره وطرائفه، وحكاويه التي لا تنتهي عن الأدباء والمفكرين والسياسيين، لكن أكثر ما جذبني إليه هو اهتمامه بالفنون بشكل عام والشعر علي وجه الخصوص، فكنت يوميا استمع إليه وهو يلقي قصائد صلاح جاهين وأحمد عبد المعطي حجازي والمتنبي وأمل دنقل وغيرهم. طفنا معا معظم الأندية الثقافية والمؤتمرات والندوات والمهرجانات الدولية والمحلية، كان لنا صولات وجولات مع المسرح والأوبرا والسينما، اعترف انه كان دائما يدهشني بأرائه ونظراته الثاقبة ورؤيته الشاملة. لقد علمني كيف أقرأ لوحة وكيف أتذوق قصيدة. تعلمت منه الكثير ووثقت به أكثر فقد كان - بالنسبة لي- واحة أمان وملاذ دافئ من وحشة الحياة.. انه عاشق للحياة والفن والحب.. كان يحترم المرأة ويقدرها ما يفسر لماذا حظي باحترام كل صديقاته وثقتهن. أحمد إسماعيل مثقف انحاز إلي قضية الفقراء والعدل الاجتماعي تنقل في السبعينيات بين العديد من سجون مصر من القلعة للاستئناف وليمان طرة وسجن القناطر وليمان أبو زعبل، وقضي عاما كاملا في زنزانة منفردا بسجن القلعة، كما تعرض لأبشع أنواع التعذيب الجسدي.. ووصف السجن بأنه حالة من العجز والإهانة، والألم الذي لا يهدأ. قال: رسمت علي حائط السجن شمسا وزورت أسلاكها هنالك من يطفئون الشموس.. ولو زورت يقفون علي الرأس مقلوبة إعدلوني إذن.. فالرؤوس المدلاة لا تصدق الأجوبة احمد إسماعيل جسد حالة إنسانية رقيقة وعذبة.. حلم بالاشتراكية والثورة وأمن بقدرات الشعب المصري العظيم، أكد لي مرارا وتكرارا قبل سنوات أن المصريين لن يرضخوا طويلا ولن يقبلوا ذلك الهوان والذل الذي يتعرضون له، بل سينقلبوا حتما علي تلك الأوضاع الجائرة، لذا فرح وتهلل بثورة يناير، مؤكدا أصالة المصريين وقدراتهم الجبارة في التصدي والصمود أمام الطغيان. صديقي الرائع أحمد إسماعيل.. سأفتقدك كثيرا .. وداعا